صناعة الديكتاتور

آراء 2023/06/06
...

سعاد الجزائري

(الخوف) يحمل برحمه (التملق)، والاخير يرفع عرش الديكتاتور إلى المستوى، الذي يجعله يستنهض كل القسوة التي تختبئ بالنفس البشرية.
والديكتاتور يستهوي ويتعطش للتملق، وبالتالي سيصنع الخوف لتمتلئ حاشيته بالمتملقين، الذين يتفنون في طرق واساليب التملق، وما أكثرهم بيننا.
نحن الشعب الذي خلطوا حليب امهاتنا بالخوف والقهر، بدءا بالعهد الملكي وحتى يومنا هذا، ومع ذلك فقد صفقنا ورقصنا للملوك ثم ذبحناهم، ومثلنا بجثثهم، وبعدها رقصنا للجمهورية ولزعيمها الذي أحبه الناس، وخاصة الفقراء منهم، ومع ذلك وصفه بعضنا بالديكتاتور، خاصة عندما بدأ هذا الزعيم بالتراوح بين هذا الحزب وتلك المجموعة ثم فقد البوصلة، وانتهى به الامر مقتولا على يد الذين شاركوه بإسقاط الملكية وإعلان الجمهورية.
ولشدة حب البعض له، انتشرت، بعد مقتله، حكايات عن عودته، فقال منهم إنه رأى وجهه على القمر، والبعض الآخر يقسم إنه رآه متخفيا وأخبرهم أنه سيعود، رغم أن صورة قتله ظهرت على شاشة التلفزيون، وهذه من ضمن القباحات التي أجدنا استعراضها، دون إدراك منا إلى أن التنكيل بالمقتول محرم دينيا، ومنبوذ اجتماعيا، العنف عنوان تاريخنا وحاضرنا، وصرنا نهضمه مع الطعام وتسلل تدريجيا إلى سلوكنا اليومي، فالتهليل بالمسؤول صار من ضمن عاداتنا وطقوسنا، حتى وإن كنا لا نؤمن به أو بسلوكه مع شعبه، فبعض العشائر فقدت رصانتها وصار الرقص وتدبيج الشعر امام تجار السياسة من ضمن الطقوس التي انتشرت بينها، وهذا المسؤول عندما تنكشف فضائحه، يكون الراقص وقائل الشعر أول من يهجيه ويلعن سلف سلفاه.
صفقنا لكل الانظمة التي مرت علينا وتميزنا بمهارتنا في صناعة الديكتاتور لنتملقه ونخاف منه.
قبل 2003، الذي كان الحد الفاصل بين كارثتين تعدان الأسوأ في تاريخ العراق السياسي، ولا أدري حقا ايهما أسوأ، لكنني على يقين بأن الديكتاتور قبل هذا العام الفاصل، قد سقط نظامه ولكن سقط العراق ايضا فريسة للطائفية والصراعات الداخلية، اضافة إلى الارهاب بمختلف موديلاته ومصادره، وبهذا استبدلنا الواحد بديكتاتوريات سياسية وطائفية وحزبية وارهابية، وبدأت تتكاثر هذه المجاميع كالطفيليات، ودخلنا في معمعة الخوف من المعلن من الاعداء والمجهول منهم، واتضح ان الكل يريد عرش الديكتاتور الذي اسقطوه، فبدا للكثير وكأنهم لم يعارضوه، وانما ارادوا سلطته وسطوته التي اشتهر بها.
ولكثرة الويلات التي شهدناها من صغار الديكتاتوريين، صار بعض معارضي النظام السابق يترحمون على ايام تملق ديكتاتور واحد، والان بات عليهم التملق لشركة صناعة الديكتاتوريات.
وبهذا فقد ازداد الرقص والقاء الشعر امام المسؤول لدرجة اصبح حرفة يمتهنها الكثير، وبهذا أثبتنا أن الخوف ينجب التملق، والذي بدوره يصنع الديكتاتور، والاخير يحتاج إلى التملق ليعيد صنع الخوف لنا، وأثبتنا اننا نصنع دكتاتورنا بمهارة ودقة.