رحيم عزيزرجب
يعيش المرء حياة طويلة تمتد إلى سنوات والى ما شاء الله. وقد يصل إلى أرذل العمر وقوله في كتابه الحكيم عز من قائل (ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا) الحج 5. فمنذ نعومة أظفارنا نسير نحو خطى الإحداث والمتغيرات. على مسار الحياة نتوغل في معتركها فتبدأ مسؤولياتنا تكبر وطموحاتنا تشرق افاقها ومعالمها. وهمومنا تزداد وترهن بما ننجزه ونفشل فيه لنسير معا بخطى يملؤها الامل والتفاؤل تارة. وبخيبات وفشل وكبوات تارة اخرى. فيصل بعضنا إلى ما يصل وما يصبو إليه وخطط. ويذهب آخرون بخطى بعيدا عن خط المواجهة والمسؤولية الجادة والطموح.
فتبدأ صراعات الحياة الوظيفة وإثبات الذات والحضور والمواجهة والتحدي.
من خلال المحطات الادارية والفنية ومقومات النجاح في الميادين العامة.
في الحياة العملية أو الحياة السياسية التي يخوضها المرء ومنها ما تحمل هموم المجتمع وتحقق طموحاته وتوجهاته.
وهو ما يسعى اليه الانسان اذا ما خطى نهجا ومنهجا سياسيا ووطنيا، يسعى من خلالها تقديم يد العون والاجتهاد من اجل رفع الحيف والغبن، الذي يعيشه مجتمعه وانتشاله من بؤرة الواقع المتخلف، متعهدا على نفسه وجازما بأنه لن يدخر جهدا إلا وبذله في إسعاد ناخبيه أو مجتمعه، الذي يقود سلطته اذا ما مثلهم وأخذ على عاتقه مسؤولية القيادة.
ليتسنم مناصب عدة، ومن ثم نزولا من خلال نفاد خدمته الوظيفية حتى يصل إلى خط نهاية ثم إلى مرحلة نهاية المطاف التقاعد.
فيركن في البيت يعيش على اطلال ذكرياته.
هكذا هو ديدن الحياة. إذاً ليقف بعدها أمام حصيلة تاريخ حافل بالانجازات والانتكاسات، والمواقف والقرارات الحاسمة والسريعة، التي كانت تتطلب حسما وشجاعة وحكمة، حتى يدرك الكثيرون أنهم يعيشون بعد موتهم وتبقى بصماتهم خالدة عبر أجيال، ومن خلال وعبر تلك المذكرات والتي تبقى (شاهد عصر)، والتي تكتب ما يخالج نفسك. ذاتك في مكتبة التاريخ لتعطي لك المذكرات وسيلة لإبقاء أفكارك ومشاعرك حية بعد وفاتك، ويمكن للغير أن يتعرف إليها حتى بعد مرور سنوات وهي رحلة غالبا ما يقوم بها المسؤول بعد تقاعده ويغور غمارها، عبر كتابة مذكراته كشهادة للتاريخ حول ما عاصر واختلط وشاهد من أحداث، ومن وجهة نظره وزاويته قد تتطابق أو تتناقص مع شهادات أخرى وقتها. وقد يحرص الكثير من الفنانين والعباقرة العظام. والساسيين، خاصة إلى مبادرة كتابة مذكراتهم أو سيرهم الذاتية، وهم على قيد الحياة. فهناك من القادة العسكريين الذين يكتبون في سيرهم الذاتية أو مذكراتهم تمجيد بطولاتهم. بتخليد الأبطال الذين خاضوا معارك شتى معهم كشاهد على العصر. معارك انتصروا فيها وذاقوا طعم النصر ولذة الانتصار، ومعارك جرت خلفت وراءهم مشاعر الخيبة والخذلان. اليوم وبعد مرور 20 عاما من تغير النظام. لم يجرأ أي( سياسي عراقي ) على الخوض في كتابة مذكراته أو سيرته الذاتية. اذا ماعرفنا انها سنوات عجاف ملئت بالتجارب والأحداث والتغيرات الحكومية الخطيرة. لم نجد لسياسي عرض حياته الوظيفة حول ما عاصره وواجه، وهو في أوج التزاماته وما تعرض له. وما شابت مهمته وملفات الفساد الضالعين فيها والمتسببين بارتكابها على الملأ. ومراجعهم من الكتل الحزبية؟ لم يكتب اي سياسي أسباب انتكاساته وعدم نجاحه في مهمته التي توسم فيها كوزير. أو مسؤول إداري أو فني أو نائب برلماني. اطلع المواطن على مجريات الامور، وكيفيات الاحداث والاهوال، التي حدثت من انتكاسات في انفلات السلطة المركزية والسرقات الحكومية، بين المسؤولينـ وأهم العقود التي شابها الفساد، وكلا من موقعة والوزارة التي كان يشغلها. سواء كان يشغل منصبا بالتجارة، وما خصت عقود استيراد المواد الغذائية وأسباب التوجه إلى مناشئ دون غيرها واسباب نقصها، وسوء نوعها وماشابها من ملفات الفساد أسبابها ومسببيها. أو في الدفاع والداخلية أو الصناعة أو الزراعة عن العقود ومسؤوليها، وعن الايفادات وأعدادها ومخصصات الايفاد. ليطلع المواطن في نهاية المطاف وليقف على أسباب الانهيار، وما آلت اليه الأمور المالية ضمن مساحته الوظيفية، ليخلي ربما مسؤوليته أمام الله والشعب العراقي، وحساب من لم تضع عنده الودائع بعد سنوات من الانهيار التام، دون أن يكون مسؤول مذنب واحد تتوجه اليه اصابع الاتهام... في بلد لم تجد كتابا واحدا فيه ( مذكرات سياسي عراقي ) واحد.