زيد الحلي
في الكثير من الحوارات الثقافية والمواقع الإعلامية، يُثار الحديث عن الريادة، ولمن سيكون الدور الثقافي الأبرز في العالم العربي خلال الفترة المقبلة.
لقد تناسى أصحاب هذا التساؤل، أن "الريادة الثقافية" كلمة فضفاضة، لا سيما في الفضاء الأدبي، وليس على صعيد المكتشفات العلمية والطبية، فكم من مبدع ولج ميداناً ثقافياً، وبرز فيه حتى نكتشف بعد سنوات أن هذا الشخص (كان مبدعاً!) لكن تيار الحياة جرفه وغادر قاعة "الريادة" منتكساً، وشخصياً أعرف عشرات الأسماء ممن ينطبق عليهم ما قلت من صحفيين وأدباء وفنانين وشعراء وسياسيين وما شابه، غير أن مساحة العمود لا تسمح بذكرهم، فهم كثر.
إن العقل الإنساني يبقى ولوداً، والدور "الريادي" يستمر بالتأرجح، طالما أن دوران الحياة يستمر في دورانه، وإنني أسأل، كم نسخة كانت المطابع تضخ إلى المكتبات من كتب طه حسين أو المنفلوطي والجواهري والسياب؟ وأوفر على القراء، الإجابة بالقول إنها كانت بالآلاف، لكن كم تضخ الآن؟ سيذهلك الرقم، فلقد تناقص لحد مخيف، وفي جولة يسيرة لنا بين مقاهي "الانترنت، أو نجري استطلاعاً لمن أدمن على استعمال الحاسوب أو الموبايل في العمل أو البيت، سنجد أن النسبة الأكبر منهم (60 %) أو أكثر يتصفحون مواقع الألعاب والباقي يتوزعون بين الصفحات العلمية والمعرفية الأخرى، وربما على مشاهدة ما يسمى (المحتوى الهابط) عدا استثناءات قليلة جداً لا يقاس عليها.
وأقول رأياً يحمل من الجرأة والصراحة الشيء الكثير، ربما سأفقد بسببه العديد من أصدقائي المبدعين، إن الحقبة المقبلة ستبرز لنا شعراء وكتّاباً يطلقون على أنفسهم (مبدعو الانترنت!) وحتى أقرب لك الصورة وأوضح أكثر، فأذكر أن ثقافة الدماغ والاستيعاب قلّت، بينما اتسعت ثقافة العيون!.
هل تدرون أن إحدى الزميلات عرضت عليّ يوماً قصة قصيرة، رائعة، قالت إنها من تأليفها، وقد مازحتها بالقول إنها ممتازة، فكيف جاءك هذا "الوحي القصصي"، فجأة؟ ابتسمت وقالت إنها من (وحي الانترنت)، قلت : كيف؟ قالت: وضعت فكرة قصصية لأحد القصاصين، ثم قمت بالبحث عن مثيلاتها عبر (الانترنت) فحصلت على مقاطع بالمئات، ولم أقم بأي جهد، سوى لملمة الكلمات ذات المعنى الواحد، والصورة الواحدة لتشكيل هذه القصة.
أقولها بملء الفم، إنني بت أضع يدي على قلبي المسكين، خوفاً على جنس أدبي لاحق، يكون لصيقاً بمثلنا الشعبي الدارج (ضاع الخيط والعصفور)!.