بغداد: هدى العزاوي
بينما يواجه العراق – وخصوصاً مناطق الجنوب - منذ سنوات أزمة وشحا في المياه جراء أسباب متعددة، كشفت تقارير أجنبية عن تسبب شركات النفط الغربية والدولية العاملة في جنوب العراق بمفاقمة أزمة المياه في بلاد الرافدين عبر استخدامها لتقنية "حقن المياه" في آبار النفط، إذ كشفت التقارير عن أن هذه الشركات تستخدم "المياه العذبة" في هذه العملية، لينتج "برميل النفط" الواحد عبر حقن 3 "براميل مياه عذبة"، ما أثار امتعاض برلمانيين وخبراء في البيئة والمياه.
"الصباح" تلفت انتباه الجهات المختصة عبر التقرير الحالي لهذه الانتكاسة البيئية، كما ستنشر (غداً الخميس) تقريرا مترجما يُفصّل بالأرقام والأدلة ما تسهم به تلك الشركات من تدمير لبيئة ومياه العراق وتنصلها من مسؤوليتها الملزمة لها في عقود التراخيص.
عضو لجنة النفط والغاز والثروات الطبيعية النيابية، النائب باسم نغيمش الغريباوي، ذكر في حديث خاص لـ"الصباح"، أنه "بحسب التقارير فإن كل برميل نفط يحتاج إلى ثلاثة براميل من المياه العذبة في عملية (حقن المياه) بآبار النفط"، وبيّن أنه "تم توجيه سؤال برلماني لوزير النفط من قبل النائب الدكتور رائد المالكي، يستوضح فيه عن كميات المياه العذبة المستهلكة في آبار النفط، وذلك لعدم وجود أرقام دقيقة بهذا
الشأن".
وأشار إلى أن "هناك الكثير من العقود المبرمة لغرض استخدام (مياه البحر) لحقن آبار النفط، وللأسف الشديد فإن هذا المشروع لم يرَ النور إلى الآن، وهذا ما يسبب ضغطاً واضحاً على المياه العذبة ويتسبب بشحها".
وفي ما يتعلق بعدم التزام الشركات الأجنبية بدفع الغرامات التي تفرضها وزارة البيئة بسبب إسهامها بالتلوث، أوضح الغريباوي، أن " القانون العراقي يجب أن يطبق على الجميع، وبالتالي فإن جميع الشركات ملزمة بالحفاظ على البيئة"، مبيناً أن "هناك في بعض العقود - التي اطلعنا عليها – فقرات واضحة تلزم شركات النفط بالحفاظ على البيئة، خاصة أن حرق الغاز المصاحب للنفط سبب كارثة بيئية".
من جانبه، قال سكرتير "تجمع حماية البيئة والتنوع الإحيائي"، أحمد حمدان الجشعمي، في حديث خاص لـ"الصباح": إن "العراق يعاني منذ فترة انتكاسة بيئية في مختلف الجوانب، إذ أكدت المنظمات الدولية والدول التي تخوض في هذا المضمار، أن العراق واحد من خمسة بلدان أكثر هشاشة وتعرضاً للأزمات المناخية المقبلة".
وأشار إلى أن "أول الأمور التي بدت بارزة بعد عام 2003 الجفاف وانهيار المياه السطحية بنسبة 30 % عما كانت عليه في السابق، بالإضافة إلى أن السبب الأول والرئيس هو دول المنبع، ثم تأتي الزراعة غير المدروسة، والسبب الآخر الذي له تأثير مباشر هو الشركات النفطية التي أسهمت بشكل كبير بالجفاف والتلوث البيئي"، مؤكداً أنه "لا يمكن إنكار أنه مقابل استخراج برميل نفط واحد تستهلك ثلاثة براميل من المياه العذبة عبر الحقن، وهذا ما يرسم أمراً بديهياً بأنه (كلما رفع سقف الإنتاج النفطي يقابله هدر المياه الجوفية أو المياه السطحية) بحدود ثلاثة أضعاف الكمية المنتجة من النفط".
الجشعمي نوّه بأن "الكثير من الاتفاقيات المبرمة من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة مع كبرى الشركات البريطانية والأميركية والفرنسية والروسية والصينية، تفرض أن يتم حقن (مياه البحر) بدلاً من (المياه العذبة) كتعويض عن المنتج، إلا أن ذلك لا يتم العمل به إلى الآن"، محذراً من أنه "في حالة تأخر مشروع حقن (مياه البحر) في حقول النفط، سيسبب ذلك التصحر وقلّة المساحات المزروعة وكثرة الأملاح والانهيارات البيئية المتعاقبة، ما يعني انخفاضاً مطلقاً للخزانات المائية
الجوفية".
أما المستشار السابق للجنة الزراعة النيابية، عادل المختار، فبيّن في حديث خاص لـ"الصباح"، أن مشكلة المياه "حقيقة وكبيرة"، وأضاف، "لقد صرح وزير الموارد المائية قبل فترة بأن الخزين المائي سيكفي لنهاية العام الحالي، وهذه تصريحات خطيرة جداً تشير إلى أن العراق مقبل على أزمة مائية كبيرة".
وبيّن أن "مجال النفط يعد أحد المستغلين للمياه، إذ تقدّر الكمية بمليار وربع مليون متر مكعب سنوياً من المياه المستخدمة لاستخراج النفط"، مؤكداً أنه "يجب على شركات النفط استخدام آلية المعالجة والحقن عبر المياه المالحة غير النقية أو مياه البحر للاستفادة منها، بعيداً عن استهلالك المياه العذبة الذي يزيد من معاناة الناس".
تحرير: محمد الأنصاري