ا.د. عماد مكلف البدران
إن أي مطلع على احداث العراق السياسية المعاصرة، وعليه أن يغور ليسبر ماهية الاحداث ومجرياته، وبالتحديد يبحث عن السبب والنتيجة في محاولة لإيجاد دواء لأزماتنا السياسية والحالات النفسية التي كانت نتاجاً لأوضاع مضطربة ومعقدة، يدرك أن كماً هائلاً من الأفكار المتصارعة والمختلفة والمتطاحنة، كانت تُضخ في الشارع العراقي ليتلقفها المثقف والمتعلم والانسان البسيط
انها مجموعة متناقضات متصارعة، هذا أول انطباع يتلقفه ذهن القارئ ومن عاش الاحداث، لكنها في الحقيقة مجموعة أفكار، يمكن أن نقول عنها إنها تدور في فلك المسموح والمعتاد في مجتمع مثل المجتمع العراقي، الذي عُرف بأنه يولّد أفكاراً، وذكي ويميل للطروحات ويخلقها، ويبتكر وجهات نظر عديدة وفي مختلف المجالات دينية إلى درجة البدعة، وسياسية واجتماعية سلوكية، فعقول ابناء هذا الشعب ولادة ومبتكرة، فضلا عن أنها متلقفة ومتأثرة وكل هذا يبدو طبيعياً اذا ما اقررنا بحرية الفكر وتداول الافكار وانتاجها وتلاقحها في رحلة
بناء مجتمع متقدم نير متطور، متفتق الاذهان وعلمي يسير لتجاوز الأزمات في إدراك أن حلولها بيده وطوع تفكيره في رحلة ذهنية، يقبل فيها الآخر الذي بدوره يتقبل ما يطرح ويطوره ويضيف عليه، لتتضافر الجهود بشكل يغلب عليه الاتفاق بعد الاختلاف، فهم الجميع ايجاد جهود شعارها إلى الأمام، هكذا نهوض وتطور مطرد، لكن لنقف للتفتيش، ونرجع بأذهاننا إلى الماضي القريب المعاصر المعيش، ومن المقاهي وثرثرتها نبدأ، فقد كان الجميع يُحلق حول المثقفين، وهم يتحدثون عن الاحداث ويحللون ويطرحون افكارهم ويُناقشونها،كانوا بارعين في الثرثرة السياسية تحليلاً ونقداً، مقبولاً ولاذعاً مع طروحات مليئة بالانفعالات والتخوين وسوء الظن وربما التطاول بشكل موتور متشنج،اذ القت الظروف المعيشية بظلالها على طبيعة حديث المقاهي،فالفقر والعوز جعلهم في صدارة المتهجمين، ومن ثم أكملت الصورة ما كان سائداً من ظروف واحداث متسارعة من احتلال وتدهور أوضاع واخفاقات وفقدان هوية... إلخ، وأقول قف للتفتيش فهل يُجيز لهم ذلك ان تتحول نقاشاتهم إلى تحريض وتهويل ما افقدهم حلاوة الافكار والاعتدال وحولهم إلى ثرثارين بعنف
وصخب، أوهم بعضهم وجعلهم يعيشون وهم الخطيب الجماهيري السياسي المفوه والزعيم المنقذ، حتى أن أدوار بعضهم تعددت مع تعدد إعتناقاته من عروبية قومية إلى اشتراكية ومن ثم شيوعية وهكذا دواليك، ومع هذا السلوك غير المنضبط، الذي غذى عاطفة اساسها الانفعال وعدم التروي، ظهرت الدماء بقيادة الأيديولوجيات المتطرفة القومية والشيوعية واتعسها الازدواجية الفوضوية التي لا نعرف لها رأساً من اساس، ثرثرة امتد تأثيرها إلى الشارع وفرخت زعماء كلهم طيش لا يعرفون موقعهم في اللعبة الدولية ولا يعرفون كيف يديرون الدولة، اغلب خطاباتهم جعجعة وتطاول وشحن لقاعدة جماهيرية تلاعبت بها الافكار وجرفتها الميول والاتجاهات، وهي تعيش الجهل بكل اصنافه ومسمياته، لهذا فتجربة العراقيين مريرة مع الثرثرة السياسية هناك عند المقاهي وفي الصحف وفي الشارع، وهي تفتقد للنظام والتنظيم وأن يحتويها جو ديمقراطي حر يجمعها بإطار عُقلائي، يتجه بها نحو أن تكون بنّاءة وتعتمد النقد البناء الهادف الذي
ينقل المجتمع نقلات تخرجه من العبث، الذي قادته مصطلحات كان من المفروض أن تكون منقذة مثل التقدمية والقومية والاشتراكية والليبرالية وووو، إذ إن الصورة اصبحت هكذا كأننا جلبناها وتأثرنا بها لنختلف ونتطاحن ويجور بعضنا على البعض الآخر في سلسلة من احداث دامية مازلنا نعيش اثرها إلى اليوم فهل من متعظ؟.