عصام كاظم جري
إن اتْساع مساحات الإعلام الرقمي كشفت وبشكل واضح عن طيف شاسع من الأصوات الإعلاميّة الحرة والمُعبرة عن الواقع بكلِّ حذافيره، مستفيدة من موجة التقنية الحديثة المتمثلة بالتكنولوجيا وما أفرزته من أدوات اتصال جديدة. ويطلق على الإعلام الرقمي بالشبكي أيضا نسبة إلى شبكة الإنترنت أو الإلكتروني نسبة إلى هندسة الالكترونيات، أو إعلام التواصل الاجتماعيّ، إذاً تتعدد التعريفات والمصطلحات والمفاهيم والصور والمفردات، ولكن يبقى المحتوى واحدا. إن بعض المهتمين بالإعلام وقف على أعتاب السؤال الآتي: ما الجذور التاريخيّة للإعلام الرقمي؟
وما المعيار النهائيّ لأهمية هذا النوع مقابل الإعلام الميداني؟
وغيرها من الأسئلة المحافظة والقديمة.
لقد تنوعت أدوات الإعلام الجديد ولن تنقسم الرؤى والأطياف بعد اليوم إلى محاور مؤيدة للتقليد القديم ومتمسكة به، أو معارضة لاستراتيجيّة جديدة متمثلة باتجاهات وحاضنات جدية تنظر للأمام ولا تلتفت للوراء. لسبب، إن الحداثة لها السبق والريادة والصدارة والأوّلية، وقادرة أن تترك وراءها كل إعلام تقليدي قديم ومحافظ. فالامتياز اليوم وبدون أدنى شك للقفزات النوعيّة بالوسائل الحديثة كالكمبيوتر وجهاز الهاتف المحمول (النقال) والشبكة المعلوماتيّة مثل الإنترنت وصفحات الفيسبوك وتويتر وواتساب والإيمو والانستغرام والفايبر، كل هذه المصادر أدت إلى ظهور أنماط جديدة وقنوات إعلاميّة غير محكومة برقيب أو مؤسسة أو اشتراطات مهنية.
وتستطيع هذه الأنماط أن تُسقط النخب الإعلاميّة التقليديّة القديمة غير المؤمنة بالتجديد والتّغيير واختلاف الأنماط والتي تصف كل ما هو حديث بالفوضوي والطارئ والتافه،ولا ننسى سقوط النخب الثقافيّة التقليديّة أمام ثقافة الصورة آنذاك.
إذ كتب المفكر والناقد السعودي عبدالله الغذامي في كتابه الثقافة التلفزيونيّة سقوط النخبة وبروز الشعبي: (ظهر في إحدى الصحف كاريكاتير يرسم صورة للكرة الأرضية، وقد كُتب عليها عبارة العالم العربي وعلى رأس الصورة تتربع فتاة مُتزينة بأحلى زينة، وكُتب بجانبها أهل الطرب وبدأ من تحت الصورة رجل مسن وقد كبست عليه الكرة الأرضية وبدأ مسحوقا ومحطما، ويمتد من عنده سهم يُشير إليه بعبارة أهل العلم والأدب، لقد ظهر في أعقاب حفلة مسابقة “سوبر ستار”، حيث حظي البرنامج بمتابعة جماهيريّة عريضة، وعلى المقابل ارتفعت أصوات النخب ضد هذا البرنامج وضد هذه الشعبيّة في حرب ثقافيّة سافرة ومكشوفة ومن هنا تأتي خطورة المسألة على الممتعضين من هذا التحول).
إذًا يعدُّ الإعلام الرقمي موجة علمية تحدث لأوّل مرة في التاريخ البشري، فالهاتف المحمول والإنترنت أصبحا وسيلة تعبير واقعة لا محال، وأداة إعلام حرة، وبدأ صوت الرأي العام متحررا من كل قيد واشتراط، وصار الإعلام الرقمي وسيلة تعبير عن الآخر، وعن الذات لكل من لا وسيلة له. إن هذا الاتصال مع العالم طوى مرحلة الخاصة والعامة، والقديم والجديد، والبعيد والقريب في الإعلام والثقافة والتسويق والنشر... إلخ، وطوى مرحلة كتم الأذواق وأضحت الخيارات متاحة لما هو قديم محافظ وجديد مغاير. نعم انتهى زمن العجز عن امتلاك منصة إعلام. وكلُّ امتعاض واستنكار واعتراض غير مجد أمام وسائل التّعبير والتواصل الحديثة لهذا على أهل الإعلام والصحافة أن يستوعبوا علامات التّغيير، لا سيما سقوط فكرة الإعلاميّ المؤسساتيّ وبروز فكرة الإعلاميّ المستقل.