حمزة مصطفى
الجدل حول الموازنة المالية لاينتهي, ولن ينتهي والأسباب كثيرة أولها وآخرها هيمنة القوى السياسية عليها. الموازنة تحولت إلى فروة سبع سنوية كثيرا ما تأخذ من الناس والدولة "سير وسريدة" حتى تقر أو لا تقر. وحين تقر يكثر الجدل حول كيفية إقرارها, حين لا تقر, وقد حصل ذلك أكثر من مرة لا أحد يحاسب، طالما التظاهر مسموح بوصفه مكفولا دستوريا. إنجاز ديمقراطي وحق ممنوح للمواطن "شيك على بياض" أحرق تايرات أم لم يحرق, اعتصم أم لم يعتصم, دخل الخضراء أم بقي مرابطا عند تخومها.
هذا الجدل البيزنطي مرة و"المتبيزط" مرة يبقى هو الآخر حقا مكفولا، ضمن سقف حرية التعبير "شتريد أكثر من هذا يا ابن الحلال".
مع ذلك نحتاج "شوية إنصاف" فليس منطقيا أن نبقى نسأل مع صديقة الملاية "غيبتك هالكد تطول" حيث إن النظام الديمقراطي يقوم على شفافية الرقابة عبر الفصل بين ماهو تشريعي وما هو رقابي وما هو تنفيذي. إذن نحن متفقون بشأن أهمية أن تكون هناك رقابة على المال العام، وهو ما كنا نفتقده أيام الأنظمة الشمولية، التي لا يوجد لديها سوى جهاز واحد هو ديوان الرقابة المالية. وحيث إن الشفافية تقتضي المقارنة بين جهاز واحد للرقابة وبين تعددية الأجهزة الرقابية، فإن الأفضلية وباعتراف الجميع لا تزال تذهب نحو كفاءة ديوان الرقابة من حيث "السيستم" الإداري. هل مشكلتنا فقط بـ "السيستم"؟ نعم ولا. نعم لأننا نفتقد بعد مرور عشرين سنة إلى نظام إداري ناجح وشفاف بسبب المحاصصة والفساد. ولا لأن المشكلة تتعدى السيستم أو النظام الإداري إلى النظام السياسي، الذي يعاني من خلل بنيوي في تعريف مفهوم الدولة، ومفهوم النظام وكيفية الفصل بين المفهومين، بحيث لا يحصل التقاطع وقد حصل مرات عديدة.
إذا أردت التمثيل بنموذج واحد لجهة الخلل بين المفاهيم، فإن ماجرى الحديث عنه مؤخرا من قبل مجموعة من نواب البرلمان بشأن "خطف الموازنة"، يضعنا حيال إشكالية حقيقية بشأن الفصل ليس بين السلطات، لأن هذا متحقق ولو شكلا, بل الفصل بين حق الدولة وحق المواطن الضائع بين القوى والأحزاب. فالموازنة لو لم تكن عبارة عن مساومات حزبية ومناطقية، لما تحولت إلى قيد سياسي على المواطن وأحيانا حتى على الحكومة، التي تريد ان تعمل من أجل المواطن عبر تنفيذ المشاريع، لكن تجد نفسها مغلولة اليد واللسان معا. من هنا فإن تفسير التأخير في إقرار الموازنة حتى لو أقرت لايرتبط لا بفلسفة مالية أو إدارية بقدر ما يرتبط بما تراه القوى المهيمنة على القرار، سواء كان هذا القرار ماليا أو سياسيا. الخطورة تكمن في الخلط بين المالي والسياسي تتحكم به أحيانا علاقات القوة بين هذه الأطراف، والتي كثيرا ما يكون المواطن هو ضحيتها
الدائمة.