سيف الكرعاوي
{ديربالك يابعد حيلي}، طبعت تلك الجملة في ذاكرتي أثر جعلني اكتب هذا المقال، امرأة كبيرة في السن، تدفع زوجها الملقى على السرير في ممرات مشفى حكومي في النجف، وحيدة تنتقل به من مكان لآخر، دون ملل أو تعب، في أولى ساعات الصباح الاولى.
توصف النساء احياناً، بصفات خلقها لهن المجتمع، وتحاول بعض الوسائل ان تكرس تلك الأدوار، لا سيما النساء خارج المدن، بالرغم من الأدوار التي تقوم بها تلك النسوة في مجتمعات تنعدم فيها كثير من الأدوات اللازمة للحياة، إلا بعضهم يوصمها بـ “القروية”، في إشارة إلى خارج التسمية، وتنميط على أساس المكان والمكانة الاجتماعية، أي النساء “خارج المدن”.
ملامح تلك السيدة المسنة التي “غيرتها اشعة الشمس”، بسبب عملها المتواصل، مع استمرار توقف الرجال عن العمل، لأن في الغالب تكون لهن “قدرة” على التحمل والاستمرار، فهي تجر رجل يصل وزنه إلى قرابة “90 كغم”، لوحدها، يتطلب جهداً اضافياً، مثل جهدها في حرث الارض، أو جمع الزرع، ورعاية الحيوانات احياناً، وتربية الأبناء.
فرص قد تكون متاحة للرجل، لم تتوفر لتلك “القروية”، اجبارها على ترك التعليم، أو الزواج المبكر، العمل لساعات متأخرة، دون تقدير أو تثمين لتلك الجهود، حرمان السفر، وعدم القدرة على الاختلاط بالمجتمع احياناً، بينما تركز “النكتة الشعبية”، على ذكر أولئك الرجال الذين يبحثون عن “طبيبات في القرية”، لنسائهم عند التعرض لمشكلات صحية، بالرغم من اجبار الفتيات على ترك التعليم، وإيقاف مواصلة أحلامهن.
الظلم المضاعف الذي تتعرض له النساء خارج المدن، لا يتوقف على الادوار الاجتماعية المناطة بها، بل يتعدى الامر إلى من يدعون الثقافة والتحضر، فوسائل الاعلام بقديمها وجديدها، تعمل على تسويق تلك المرأة، بطريقة لا تليق بأدوارها وشجاعتها، ليكون الاعلام هو الآخر “ظالما”، لمجموعة من المكافحات على البقاء، أطالع الاحصاءات التي تتحدث عن زيادة رغبة الاهالي في تلك المدن بتعليم بناتهم، وعدم الاجبار على ترك التعليم عند حد “القراءة والكتابة”، إلا أن “الإجبار” ما زال على قيد التنفيذ لطموحها في اكمال مسيرة تعليمية، والتواجد في فرص عمل لائقة بهم.
زواجات مبكرة، وأطفال بلا تعداد، وبنات مصيرهن مثل مصير الامهات، بينما ما زال يتحدث لي بعض الاصدقاء، عن قصص ما زالت موجودة، “زواج ابن العم”، “زواج الكصة بكصه”، واشنعها “زواج الفصلية”، ولا مساحة هنا للحديث لمن لا يعرف ما معنى هذه المصطلحات، إلا أن المرأة في جميع تلك الأوصاف، تجبر على اتخاذ القرارات، دون أن تتدخل فيها، في موضوع يبدو أنه الأهم على مستوى خيارات الفرد، ألا وهو “الزواج”، رغم أن بعضهن ينتهي بها الحال، أن تتواجد “ضرة” اخرى في بيتها، أو أن تكون هي “زوجة ثانية أو ثالثة”، لأن الرجال هنا لا يكترث لمشاعر تلك “القروية”.
الامر لا يتوقف في القرية احياناً، وحقوق النساء لا تسلب عند الخروج من اسوار المدن، فداخل المدن، يشهد قصصا مشابهة، وسرعان ما يتسرب إلى الاعلام بين الحين والآخر، قصص تتعلق بــــ “اهانات مصورة”، لأن بعضهم ما زال عند نطق كلمة امرأة يسبقها بمفردة “تكرم المرأة”.