هل يعيش العراق مرحلة الديمقراطيَّة؟

آراء 2023/06/14
...

 أ.د عامر حسن فياض
بلا شك أن الديمقراطية مسار تحولي بمراحل، المرحلة الاولى هي مرحلة الانتقال، فإن فشلت هذه المرحلة ينقطع مسار هذا التحول، وإن نجحت يستمر مسار هذا التحول. فأين نضع العراق اليوم في مسار التحول الديمقراطي؟. لقد شكلت قضية (الانتقال الديمقراطي) أو عملية (الدمقرطة) مبحثاً رئيساً في علم السياسة منذ النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين.
وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية ظهر عدد كبير من الكتب والدراسات والتقارير، التي تناولت هذه القضية على مستويات مختلفة: نظرية وتطبيقية، كمية وكيفية، دراسات حالة ودراسات مقارنة.
إذ يرى (صامويل هانتجتون) أن موجة التحول الديمقراطي عبارة عن مجموعة حركات الانتقال من النظم غير الديمقراطية إلى النظام الديمقراطي، والتي تحصل في مدة زمنية محددة، وتفوق في عددها حركات الانتقال في الاتجاه المضاد خلال المدة الزمنية نفسها.
وهي وفقاً لـــــ(اودونيل وشمبيتر) المرحلة الفاصلة بين نظام سياسي وآخر.
وأثناء عملية الانتقال أو في اعقابها يتم تدعيم النظام الجديد، وتنتهي هذه العملية في اللحظة، التي يجري فيها اكتمال تأسيس النظام الجديد.
وعمليات الانتقال لا تحسم دائماً الشكل النهائي لنظام الحكم.
فهي قد تؤدي إلى تحلل النظام التسلطي، وإقامة شكل من اشكال الديمقراطية، وقد تتم العودة إلى بعض اشكال الحكم التسلطي، مثلما حدث في باكستان عام 1977 عندما أعلن (ضياء الحق) مرحلة انتقال مدتها ستة اشهر، ومع ذلك استمر في الحكم 11 عاما.
وأيضا في مصر الناصرية أعلن جمال عبد الناصر مرحلة انتقال مدتها عامان، لكن حكمه استمر 18 عاماً منذ ذلك الاعلان.
ومثل مصر وباكستان دول كثيرة عرفت الانتقال، لكنها لم تعرف الديمقراطية.
بينما أكد (دانكورات روستو) أن التحول الديمقراطي عملية مستمرة لها ثلاثة أطوار: الطور التحضيري(لحظة الانفتاح)، والطور الحاسم (الانتقال الديمقراطي)، وطور التعود والتحصين (الديمقراطية الموطدة).
ويعتمد الانتقال الديمقراطي على طريقتين، الطريقة الاولى تشير إلى التحول من نمط التنظيم السياسي (غير الديمقراطي) التسلطي إلى نمط اخر ديمقراطي، أو بشكل أدق، إلى نمط في طريقه إلى الدمقرطة.
والطريق الثاني للانتقال يمثل طوراً يؤشر إلى القطيعة مع نظام سلطوي لتبني قواعد نظام ينحو باتجاه الدمقرطة أو الانتقال الديمقراطي.
إن التجارب في التحول الديمقراطي لا تتشابه.
وأن البناة أو الفاعلين الذين صنعوا الانتقال تختلف مرجعياتهم وثقافتهم واساليب تدخلهم في السياسة والمؤسسات.
فعلى الرغم من أن هناك أشكالاً أو أنماطاً متعددة لنظم الحكم غير الديمقراطية (شمولية أو تسلطية مغلقة، مدنية أو عسكرية، حكم فرد أو حكم قلة.... الخ)، إلا أن هناك حالات ومستويات للنظام الديمقراطي متعددة ايضاً يتم الانتقال اليها.
فقد ينتقل نظام تسلطي مغلق إلى نظام شبه ديمقراطي يأخذ شكل ديمقراطية انتخابية.
ويمكن أن يتحول نظام شبة ديمقراطي إلى نظام ديمقراطي ليبرالي أو يكون قريب منه.
كما أن الانتقال إلى النظام الديمقراطي يمكن أن يتم من أعلى، أي بمبادرة من النخبة الحاكمة في النظام غير الديمقراطي أو الجناح الاصلاحي فيها، أو من أسفل بواسطة قوى المعارضة المدعومة بتأييد شعبي واسع، أو عبر تدخل عسكري خارجي.
وكل ذلك يؤكد مدى التعدد والتنوع في تجارب وخبرات الانتقال الديمقراطي.
وبناءً على ما تقدم، فإن مفهوم (الانتقال الديمقراطي) يشير من الناحية النظرية إلى مرحلة وسيطة تشهد في الاغلب الاعم مراحل فرعية يتم عبرها تفكيك النظام غير الديمقراطي القديم أو انهياره، وبناء نظام ديمقراطي جيد.
وعادة ما تشمل عملية الانتقال مختلف عناصر النظام السياسي، مثل البنية الدستورية والقانونية، والمؤسسات والعمليات السياسية، وأنماط مشاركة المواطنين في العملية السياسية..... إلخ. فضلاً عن ذلك  فإن مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية قد تشهد صراعات ومساومات وعمليات تفاوض بين الفاعلين السياسين الرئيسيين. كما تتطلب عملية التحول إلى الديمقراطية – وفقاً لرؤية برهان غليون (تطوير ثقافة ديمقراطية جديدة، وموارد مادية ومعنوية جديدة، وبناء قطب ديمقراطي تعددي حي، واصلاح المؤسسات الرسمية والاجتماعية، وبناء مقومات الاجماع الوطني).
وبالانتقال إلى موضوع العراق نجد أنه يقف في مرحلة (الانتقال إلى مرحلة التحول الديمقراطي)، ولم يصل بعد إلى مرحلة (التحول الديمقراطي)، وكذلك بالتأكيد أنه لم يعش بعد (المرحلة الديمقراطية). فعلى العكس ما يتوهم البعض فإن الديمقراطية لا تؤدي إلى نفسها بشكل أوتوماتيكي. وإن تجربة بلدان العالم المتقدمة ديمقراطياً تثبت لنا أن النظام الدستوري المدني سبق النظام الديمقراطي إلى الوجود بسنوات طويلة.
فلم تصبح انظمة أوروبا الغربية ديمقراطية إلا بعد مرحلة انتقال دستوري مدني ثم مرحلة تحول ديمقراطي مدني، ثم مرحلة دولة ديمقراطية مدنية.
(لاحظ أن المدنية مرافقة لكل المراحل).
فالأساس هو دولة الانتقال الدستوري المدني، اي دولة المؤسسات والقانون، دولة المواطنة، الدولة الدستورية، وهي دولة قوية مع المواطن، وليس دولة قوية ضد المواطن، ولا دولة هشة تحت رحمة فرد أو جماعات أنها دولة المؤسسات أنها الدولة المدنية الحديثة.