نهاوند.. المطربة اللبنانيَّة التي أجادت الغناء البغدادي

ثقافة 2023/06/14
...

 بغداد: نورا خالد

ما زالت أغانيها عالقة في ذاكرة العراقيين، وعلى الرغم من أنها لبنانية الأصل، إلا أن غالبا ما توصف بـ  (العراقية البغدادية)، لأنها أجادت الغناء البغدادي واشتهرت به عربيا . عرفت المطربة التي ولدت في لبنان العام 1933 بالاسم الفني "نهاوند" لعذوبة صوتها، تنقلت بين مسارح بيروت ودمشق وعمان، وسجلت لإذاعات هذه العواصم مجموعة من أغانيها الملحنة خصيصاً لها.
الباحث الموسيقي حيدر شاكر أكد أن "المطربة اللبنانية نهاوند ذاكرة غنائية عراقية وعربية،  فمن يتصفح سيرتها الذاتية، يجد أن الأصرار والتحدي عند هذه الفنانة علامتان مضيئتان بتأريخها الغنائي، فبعد البدايات في لبنان واعتلائها مسارح بلدها، وكذلك مسارح الشام وتجربتها فن التمثيل بمصر، كل تلك الانشطة عدت تأريخ إبداع حقيقي بمسيرتها الملتزمة وفنها الراقي".
  وأوضح شاكر أن " تجربتها الأجمل كانت في العراق بعقد الأربعينيات، وغنائها بمسارح بغداد كان احلى سني حياتها، فقد كان منير بشير سباقا في التعامل مع صوتها ولربما آخرون، إلا أن التوثيق قد تناسى اسماء كانت قد تعاملت
معها".
وأكمل "ليأتي العقد الخمسيني عقد جمال الأغنية البغدادية، ولتلتقي بالملحن الراحل رضا علي، فكانت الانطلاقة الأوسع بحياتها، حيث قدم لصوتها أشهر اغنيتين "ادلل عليَّ ادلل" و"يابه يابه شلون عيون عندك يابه"، وأغنيات أخرى قدمتها للإذاعة العراقية مثل "دخلك يا حسين" و"ياغزيل يا ابو الهيبة" لتشتهر من خلال هذه الاغاني عند الجمهور العربي، ولترددها الأجيال حتى يومنا هذا".
كانت للمطربة نهاوند تجربة سينمائية وحيدة، حيث شاركت بالغناء في فيلم "كأس العذاب" بطولة  فاتن حمامة وإخراج حسن
الإمام.
امتاز صوتها ببحّة غنيَّة بالشجن والعاطفة، لذلك اطلق عليها اسم نهاوند، تيمنا بأحد أجمل المقامات الموسيقية وهو مقام "النهاوند".
وأشار شاكر إلى أن "المتابع لتأريخ الغناء العراقي يعلم أن الكثير من المطربات العربيات مكثن ببغداد وأطربن الذائقة العراقية بجمال أصواتهن، أمثال فائزة احمد ونرجس شوقي وحفصة وزكية جورج.. اضافة لمها الجابري وأخريات".
وتساءل شاكر في نهاية حديثه "هل من الممكن أن نرى أصواتا نسائية كتلك الأصوات، التي ذكرتها والتي ملأت مسارح بغداد والموصل
والبصرة بالغناء العذب؟".
مجيبا " لا أعتقد أن التأريخ سيعيد نفسه ببلد عشق الغناء وتفاعل معه، هكذا كانت نهاوند -رحمها الله- حكاية غنائية عراقية وعربية خلّدها الزمن الجميل".
ويذكر الكاتب والناقد الموسيقي علي عبد الامير عجام في مقال له نشر بعنوان (لارا كيروز التي تبغددت وأصبحت نهاوند): بدورها، حضرت المطربة اللبنانية لارا كيروز في فضاء «الغناء البغدادي» في منتصف العقد الخمسيني، حين كانت العاصمة العراقية تتجه إلى كونها مشغلاً ثقافياً، فغنت «يبا يابا شلون عيون عندك يابا»، من ألحان رضا علي وشعر سيف الدين ولائي، مثلما غنّت له بعذوبة صوتها "النهوندي" والاسم مشتق من مقام "النهوند" الرقيق، "إدَّلّل (تدلل) عليّ
إدلل".
وإكراما لها، أعاد غناءها الراحل رضا علي، وسط فيض من التأثر الغالب، فهو لا يستعيد الأغنية وصاحبتها فحسب، بل تلك الفترة الخلاقة، التي كانت تعنيها أيام بغداد في خمسينيات القرن الماضي، وموقع الموسيقى والأغنيات الرفيعة فيها.
ابتعدت نهاوند عن الغناء، وهي في قمة نضج الصوت والأداء النغمي في الثلاثينيات من عمرها، لتتزوّج وتهاجر إلى البرازيل.
لتعود إلى بلادها العام 2001، وتشارك في "مهرجان بيبلوس" وتعيد أغنياتها القديمة بتوزيع جديد، ولتمنح في العام التالي "وسام الاستحقاق اللبناني".
رحلت الفنانة نهاوند عن عمر 80 عاما، وظلت اغنياتها تنثر جمالا في روضة الغناء العراقي.