تأملات في حياتنا اليوميَّة

آراء 2023/06/15
...

 رعد أطياف


الشخصية في الفلسفة الشرقية هي مجموع العادات. لكن هذا لا يمنع حالة التشظي التي تصيبنا في تعاملاتنا اليومية لتبدو لنا أكثر من شخصية. من الصعب جداً فهم سلوكياتنا تجاه الآخرين لأننا تورطنا بأدوار مسرحية مشوّهة ولا تعكس، عادةً، طبيعتنا الحقيقية، فنحن دائماً ما نتصرف طبقاً لمعيار الآخر الذي نتمنّى أن نكسب عطفه وحبه لنا وإعجابه بنا حتى لو كان على حساب حالة الاغتراب التي تحدث في هذا التسوّل غير المباشر. من خلال تعاملاتنا اليومية مع الأقارب والأصدقاء وغيرهم يظهر لدينا أكثر من شخصية ثم نبحث عن هذه الشخصية التي تمثلنا حقيقةً فلن نجدها! نحن نخضع لتقمّصات عِدّة، سواء شعرنا بذلك أم لا، ومن النادر العثور على شخص يتعامل مع الآخرين بشخصية واحدة واضحة المعالم. لا شعورياً نحن ندرك ذلك جيداً لكنّ ذلك الإدراك ليس من أولوياتنا، أعني شخصيتنا المتشظية وتنويعاتها العديدة، وبتعبير أدق: تسوّلاتها العديدة. ولو تعمّقنا في المسألة بشكل مباشر ربما سيكون العجب أمرا طبيعيا مقارنة بردة فعل «الشخصية»، التي ستحدث إزاء هذا الكشف الغريب. وقد يبدو اللاشعور علاجاً وتعزية لكي لا ينكشف هذا الافتعال لمن يتمتعون بإجازات مفتوحة عن مسائلة النفس واكتشاف إمكانياتها الخاصة، أنّه في نهاية المطاف عزاءً كما بيّنا، والحصة المتبقية هي من نصيب الأفراد فحسب، ذلك أن هذا الاكتشاف ثمنه باهظ للغاية، واستنزافاته لا تثير الإعجاب. لذلك قليل هم من يشمّرون عن سواعدهم ليفجروا قابلياتهم الخاصة، وإبداع عالمهم الخاص. «الشخصية» لا تفصح لنفسها إلا بتسليط الشدّة عليها، والتعامل معها ضرباً بالمطرقة حسب وصف نيتشة، لكن من يريد الحفاظ على مركزيته المزيفة فهذه الآليات لا تثير إعجابه على الإطلاق. تتمتع الأنا بقابليات تتجسد من خلالها بعدّة شخصيات، لكي تبقى محافظة على مركزيتها ومعاييرها المجحفة، وهذه القابليات تمنحنا قدرة تقمصية عالية لكي نحوز الرضا من الآخرين سواء كنّا نستحق ذلك أم لا. إن قدرة الأنا على تجسّدها كل هذه الادوار يجعلنا ندور في فلك من المعاناة ودائرة من التيه، لأننا لا نرضى بشخصية واحدة واضحة وطبيعية. من منّا يقنع بشخصية واحدة؟