غازي فيصل
تعتبر هيبة الدولة القوة المعنوية للسلطة الحاكمة بأدواتها الدستورية من مؤسسات قانونية وادارية وعسكرية، التي تكفل تحقيق شروط التعاقد الاجتماعي لأبناء الوطن الواحد وتحمي حقوقهم، إن نجاح الدولة يقترن بممارستها في تحقيق مفهومها أو برنامجها، كي يتحول خضوع الأفراد إلى ولاء الدولة كسلطة شرعية ومقبولة، بالانتماء إليها كمصدر لقيم اجتماعية، أي كمركز لمشروع جماعي ممكن ومقبول.
وفقدان هذه القيم تظل الدولة قشرة رقيقة، سواء في ماتعلق ببنية السلطة المركزية أم بطبيعة القوى الاجتماعية والمشروعات الوطنية المرتبطة بها، هذا ما يدفعها إلى أن تشعر هي بهشاشة وجودها، ويجعلها عرضة للتقلبات الشديدة.
حين تفقد كل تلك القيم التي تشكل خيوطاً مترابطة مع المجتمع بكل قواه وتنوعاته، فإنها تذهب باتجاه التفكيك والفشل، ينقسم المجتمع إلى جماعات وطوائف مختلفة الانتماءات العرقية أو قومية أو دينية متصارعة في ما بينها، وقد يكون هذا الصراع متجذرا، مما يساعد المتسلط الخارجي أحكام السيطرة عليه من خلال هذه الصراعات، فالنظام السياسي الذي أقيم على أساس الشرعية الدستورية والديمقراطية ما زال يحبو إثر ولادته ميكانيكياً، بعد صياغته من قبل سلطات الاحتلال الأمريكي، هي ولادة قامت على إرث ثقيل من المعضلات الناتجة من مخلفات النظام الاستبدادي، وخلل بنيوي قائم علاقات عصبوية مغلقة، طائفية وقومية وقبلية واثنية، شكلت النظام السياسي، الذي يتماهى مع هذه المنظومات، وغدت القوى الاجتماعية والسياسية التي تفتقر إلى التجربة في إدارة الحكم مساهمة بتقويض سلطة الحكومة واضعاف قوتها، نتيجة عدم سيطرتها على حل الاشكلات والحد من الصراعات، فتكون غير قادرة على مواكبة تطلعات مواطنيها أو التعامل مع التغيرات التي تطرأ على توقعات المواطنين، وهكذا فإن الهشاشة تنجم عن اختلال كبير في التوازن في علاقات الدولة مع المجتمع.
ولها أسباب كامنة متعددة، مزمنة وخطيرة على حد سواء، ويمكن أن تخلف عواقب مضاعفة، من أكثرها مدعاة للقلق قابلية التأثر بالنزاعات الداخلية، والعجز عن التغلب على الكوارث الإنسانية وقد تدفع زيادة فرص الانهيار.
وهناك أسباب أخرى هو تتجاهل أحزاب السلطة واذرعتها المسلحة هيبة الدولة في كل شاردة وواردة، التي جسدتها ايديولوجيتها السياسية، وولاءاتها وتواطؤها مع التدخلات الخارجية، لأسباب عقائدية وقومية وسياسية، ساعدت دول القوى الإقليمية والدولية للتدخل في الشان الداخلي وخرق سيادة البلاد، وقضم حدودها ومياهها وسرقة ثرواتها, التي اتخذت مظاهراً متعددة مثل التغلغل في مفاصل الدولة وأجهزتها, وانتشار القواعد العسكرية في شمال البلاد بذريعة محاربة البه كه كه، فالدولة نفسها مخترقة من قوى سياسية عابرة بولاءها الحدود تتحكم في مسارات مؤسساتها، وهي من تقرر سياسة الدولة ومن تفرض عليها سطوتها وهيمنتها، فيصبح الحديث عن السيادة من قبيل الضحك على الذقون، وهو بهذه الحالة، يشبه النعامة التي تدفن رأسها في التراب، وتبقي مؤخرتها مكشوفة، عليها تستطيع أن تقنع الآخرين، بأن أحدا
لايراها.