جواد علي كسار
الضريبة منطق وثقافة وهي قوام الحياة الرافهة في الغرب وشريان دوامها في تلك الديار، مع ذلك سأقتصر في الشواهد على بلدان ثلاثة تجاور بلدنا أو تشترك معه في المحيط الإقليمي هي مصر وإيران وتركيا، وكلها تجمّعت عندي دراية وعن تجربة مباشرة، وليس عن رواية أو قراءة. في مصر مثلاً تصل الضرائب على بطاقات التعبئة وخدمات الهاتف النقال إلى 30 %، لكن بإزاء هذه الضريبة المرتفعة ثمة خدمات هائلة للمستهلك تتمثل بالرخص الفاحش (أجل الفاحش) للمهاتفات الخلوية وللإنترنيت، حتى يمكن وصف المصري بالإدمان على استعمال الهاتف، لرخص المكالمات.
كما تشهد مصر ضرائب مماثلة على الطاقة والنقل والعمران، لكنها تمنحك في المقابل شبكة هائلة زهيدة الثمن من النقل الأرضي (مترو القاهرة) هي في اتساع متواصل؛ وتأخذ منك ضريبة على الكهرباء مع استيفاء الدولة للأجور مقدّماً، عبر استعارة نظام التعبئة (نظام سائد في أوروبا)، لكنها تمنحك في المقابل طاقة كهربائية متواصلة إلى المنازل من دون انقطاع بأبخس الأثمان، ومن دون مشكلات في الجباية وما يرافقها من تراكم الديون والتحايل، لأنها كانت قد استوفت الأجرة مسبقاً بنظام بطائق الشحن، فلا ذرة من الكهرباء قط من دون دفع مسبق.
في مينائها العظيم الإسكندرية ورئتها الكبيرة على البحر المتوسط وأوروبا، تفرض ضرائب عمرانية، لكنها تعطيك وفرة هائلة في السكن، كما تمنحك على شاطئ الإسكندرية خدمة متبادلة بين الحكومة والقطاع الخاص، وهما يتنافسان توفير الراحة للزائرين والسائحين على ساحل المتوسط، من أروع أمثلتها الباص السياحي بجولة تمتدّ على كورنيش الإسكندرية الأبرز، من حديقة فاروق حتى قلعة قايتباي (أكثر من خمسة كيلومترات) ونوافذ فردية وعائلية لدخول البحر والاستجمام على شواطئه، تتنافس فيها النوافذ المجانية للحكومة مع الأهلية، في تسعيرة لا تكاد تزيد في كلّ هذه الخدمات وغيرها على ما يعادل (1000) دينار عراقي فقط!. هكذا تمضي الحال في إيران وتركيا، فأجهزة الحكومة في هذين البلدين، تتفنّن في فرض الضرائب المنوّعة، كما يحصل مثلاً في استقطاعات الكهرباء والماء والغاز، لكنها في المقابل تبرع في تقديم خدمات مكثفة على هذا المستوى، أبسطها الحدائق النضرة والشوارع النظيفة، ومحطات الاستراحة، إلى غير ذلك من أشكال الخدمة والرفاهية. الخدمة مقابل الضريبة، هو ما أسميه «منطق الضريبة» والتدريب على هذه العملية وتطويع الأهالي لها، هو ما أسميه «ثقافة الضريبة» وبذلك تتموضع الضريبة وتكون مجدية ومطواعة بين هذا المنطق وهذه الثقافة.
ما نكاد نفتقد إليه في بلدنا هو غياب منطق الضريبة وثقافتها، لذلك يضعف التفاعل معها، ويتحوّل أي إجراء لفرض الضرائب، إلى سخط واسع وموقف رافض، كما حصل في ما أشيع مؤخّراً من فرض بعض الضرائب بعد إقرار الموازنة؛ ما ثمة سبيل إلى مواجهته إلا بالخدمات الكبيرة الناجزة التي تملأ على المواطن حياته.