الابتكار الإداري المضاد للبيروقراطية

آراء 2023/06/18
...

علي حسين عبيد
 الإدارة مفهوم عام وشامل نحتاجه في إدارة شؤون الحياة والناس كافة، الفرد يحتاج لأن يدير نفسه وحياته وأمواله ومشاريعه وعائلته وأعماله، الجماعة تحتاج للشيء نفسه، كالدول حيث يعدّ النشاط الإداري لها ومدى جودته مقياسا لتطورها وتقدمها بين الدول، يوجد في كل دولة جهاز إداري يدير مرافقها ومؤسساتها المختلفة، وهناك أجهزة إدارية بالية (بيروقراطية) معقدة في اجراءاتها الإدارية، وجامدة وفق أدوات قديمة وأساليب متهرئة، تنتهي بالعمل الإداري إلى البيروقراطية التي تعقّد العمل الإداري، وتجعل منه عبئا على الدولة، بدلا من أن يكون معينا له ومساعدا على نموها وتطورها.
ولو أننا وجهنا هذا السؤال إلى من يهمه الأمر في الدولة أو الحكومة أو صنّاع القرار، هل يوجد في الدولة العراقية ابتكار إداري؟ وسوف يكون الجواب لا يوجد ابتكار إداري مضاد للبيروقراطية، بل على العكس من ذلك يوجد إصرار وثبات غبي على الأساليب الإدارية، التي أكل عليها الدهر وشرب، وهناك إصرار من قبل المنظومة الإدارية (الوظيفية) للدولة على إبقاء التعاملات الإدارية تمضي وفق الأساليب البالية حتى تكون أكثر بطئا وأكثر تعقيدا، وتكون بوابة لأنواع كثيرة وكبيرة من عمليات الفساد الإداري
والمالي.
لماذا لا يكون الموظف الإداري مبتكِرا، لماذا لا تكون دوائرنا الإدارية وغيرها مبتكِرة، وتمتلك الجرأة على الابتكار الذي يختصر الخطوات الإدارية من أطنان من الورق والجهود إلى عمليات رقمية إلكترونية سهلة وسريعة، تختصر المصاريف والزمن وتقضي على البيروقراطية المدمِّرة؟، لا أحد يطرح هذه التساؤلات أمام المسؤولين، لأن الجميع كما يبدو لا يريد أن يبتكر إداريا، وكأنه يرغب على بقاء الحال على ما هو عليه، حتى لو كان سببا دائما لاستمرار تخلف المجتمع والدولة معا.
في العراق نحتاج إلى حملة في الإدارة الذكية الرقمية، وحملة ابتكار إداري لا يتوقف، لأننا نتأخر عن الركب العالمي سنوات وسنوات وربما عقود أو قرون، في حين أن هناك دولا قريبة منا تمكنت من تحقيق (الأتمتة) الرقمية بنسبة 100%، وانتهت من أطنان الورق والأقلام والجهود الإدارية القديمة المعقدة، فبكبسة زر إلكترونية في لحظة يتم إنجاز معاملة إدارية قد يمتد عمرها الورقي إلى أسابيع أو شهور، وحتى سنوات!
لهذا نحن في العراق نحتاج إلى نهضة إدارية رقمية مضادة للبيروقراطية، كما أننا نحتاج بقوة إلى الموظف الإداري المبتكِر وليس القديم الساكن البالي، إضافة إلى أننا بحاجة إلى الدوائر الرسمية التي تبتكر أدوات وأساليب إدارية تختصر الزمن وتقلل الجهود في الإنجاز، لأن السبيل الوحيد للعراق، لكي يصطف إلى جانب الدول المتطورة، هو أن يمتلك جهازا إداريا رقميا متطورا، وكفاءاتٍ رقمية عالية تسعى للقضاء على أساليب وأدوات الإدارة البيروقراطية البالية، وهذا الهدف على الرغم من كونه كبيرا وصعبا ويحتاج إلى إمكانات هائلة، إلا أنه يجب أن يبقى الهدف الأهم للحكومة، حتى يمتلك العراق منظومة إدارية رقمية مبتكرة.