عباس الصباغ
من خمسينيات القرن الماضي وبنسبة (95 %) لم ينفك الاقتصاد العراقي من التحرر من عقدة متلازمة الريع النفطي وحتى الآن، ولذا لم يكن التقرير المتشائم، الذي اطلقه صندوق النقد الدولي نابعا عن فراغ، والذي يشير فيه إلى انكماش الاقتصاد العراقي، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي خلال سنة 2023 مقارنة مع سنة 2022 وهذا بسبب انخفاض إنتاج النفط وانخفاض الصادرات وانخفاض أسعاره، كما اشار التقرير إلى الوضع الاقتصادي في العراق، والى نمو الاقتصاد العراقي الذي تباطأ مؤخرا، وإن إنتاج النفط سيتقلص بنسبة 5 % خلال العام الحالي، بسبب خفض إنتاج منظمة أوبك، وانقطاع خط أنابيب نفط كركوك- جيهان، من جانبهم: قلّل خبراءُ الاقتصاد العراقيين من قيمة هذا التقرير، وعدوه متشائما جدا، ولكن ما زال صندوق النقد الدولي يصف البلدان التي تعتمد الصيغة الريعية في اقتصاداتها بأنها هشّة وغير آمنة وغير مشجعة على الاستثمار، فبحسب آخر احصائية يُقدّر احتياطي النفط العراقي بـ (150 ) مليار برميل، واحتياطي الغاز ب(280 ترليون م3)، فلا بد إذاً أن يخرج العراق عن هذا الإطار، الذي أصبح برميل النفط لاعبا اساسيا في الدخل القومي. كما أشار الصندوق، ويلحظ أن ريعية الاقتصاد النفطية قد تعاظمت وأن مساهمات القطاعات الاقتصادية الاخرى غير النفطية قد تراجعت، فالإيرادات غير النفطية في الموازنة من جهة ومساهمات القطاعين الحقيقيين (الزراعة والصناعة التحويلية) من جهة اخرى، كلاهما لم يتعديا نسبة 7%، سواء على صعيد الايرادات العامة أو على صعيد المساهمات في الناتج المحلي الاجمالي للبلاد.
ارتبط الريع النفطي بالاقتصاد العراقي كأنه قدر محتوم، والعيب ليس بالريع، فالكثير من البلدان تعتمد الصيغة الريعية، لكنها لم تعتمد كليا مثلنا على مورد واحد كالنفط وتترك البقية، لأن تلك الدول ومن زمن ليس بالقريب فسحت المجال لتعدد الموارد الاقتصادية، وفتحت باب الاستثمار مع توفير البيئة المناسبة له.
فما زالت بقية الموارد عدا النفط تحقق عوائد مالية خجولة جدا ومتواضعة، كالزراعة والصناعة والسياحة، ومنها الدينية والاستثمار، فما زالت نسبها تكاد لا تذكر في الموازنات المالية العامة.
فقد أشارت التقارير المختصة إلى أن الطلب على النفط سيبدأ بالانخفاض الحاد اعتبارا من عام 2023 وبالفعل بدأت كبريات مصانع السيارات بالتوجه نحو السيارات العاملة بالطاقة الكهربائية، فالعراق يستخرج النفط ويبيعه في الأسواق العالمية، ويصرف الإيرادات على النفقات التشغيلية، التي تحتل حصة الاسد من تلك الايرادات، ولا شيء سوى النفط الذي يمد الموازنات المالية العامة التي كانت تغطي الميزانيات التشغيلية والاستثمارية بشكل شبه تقريبي، في حين يكون العجز المالي مسيطرا عليه بهامش مالي معقول والامر اختلف حاليا.
نضوب النفط أو تحوّل الدول المستهلكة للنفط نحو الطاقة المتجددة (النظيفة)، هو أمر حتمي وهو ما تعمل عليه الكثير من الدول حاليا، ويجب أن يؤخذ ذلك بالحسبان، عسى أن يعي مبرمجو اقتصادنا الدرس.