ا. د. عماد مكلف البدران
توفيق رجل الدين الصالح أو الشيخ العارف العرفاني أو(فتاح الفأل)، ظهر في فيلم النوم في العسل للبطل عادل امام، وهو يمنح علاج اللذة والمتعة للناس ذكوراً واناثاً. يتناول كاتب الفيلم مسألة حساسة للغاية الا وهي الضعف الجنسي، وكيف يتحول إلى ظاهرة عامة يعيشها مجتمع مدينة القاهرة وتتطور لتمتد إلى ضواحيها، وقد لعب البطل عادل امام دور رئيس مباحث العاصمة، التي كثرت فيها حالات الشجار والعراك بين الأزواج، وتطورت إلى حالات قتل عنيف
ليبدأ رئيس المباحث تحرياته ويكثفها بحثاً عن اسباب هذه الحالات التي بدت غير طبيعية وغير مسيطر عليها ما احرجه امام مسؤوليه، وقد اكتشف بعد التحقيق أنها بسبب استشراء حالة الضعف الجنسي، لتصبح ظاهرة وراح يبحث عن اسبابها واخذ يبحث ويبحث، وكان الاعتقاد السائد والدعايات التي انتشرت وهي تحمل هذا الاعتقاد، هو أن الحكومة تحاول التقليل من الانجاب لتفادي الزيادة السكانية الانفجارية، ولهذا نشرت في الهواء والماء مواد تقلل من خصوبة الرجال وتجعلهم عاجزين جنسياً، وقد كان الكاتب ذكياً في طرح هذه الفكرة وهي وجود متصيدين في الماء العكر، كانوا يحاولون تهييج الرأي العام ودفعه للانتفاضة بوجه الحكومة، مستغلين هذه المسألة الحساسة التي تتعلق بجانب مهم لدى الاسر، التي كانت ضاغطة بشدة على المباحث، زيادة على ذلك اصابة رئيس المباحث نفسه بهذه الحالة المرضية ليبحث عن علاج لها بعدما تمكن من تشخيصها، وهنا بدأت رحلة البحث ليطرق ابواب الأطباء النفسانيين والأطباء البيولوجيين والعطارين، بحثاً عن دواء له، ولعامة الناس ثم يلجأ إلى الجانب الروحي ليذهب إلى المسجد ثم ينتقل إلى جانب تؤمن به الشعوب الشرقية ايما ايمان وتصدق به مهما قيل عنه على انه دجل وشعوذة، فعندما ينتشر اليأس وتنعدم الحلول وتصبح الحكومات عاجزة عن التشخيص، يملأ الدجالون الفراغ ويسيطرون مستغلين جهل الناس وامكانيات اعتماد الديماغوجية وسيلةً لذلك، وهي مخاطبة مخاوف الناس وقلقهم واحتياجاتهم بطرائق اشبه بممارسة السحر وقدرات اقناعية عجيبة تعتمد الايهام والتضليل، وهنا يأتي دور توفيق الذي ذهب له عادل امام ليجد الجماهير تحيط به وهو الرجل الصالح المبروك وقد تكدسوا أمام باب منزله وهو يبيع عليهم الدجاج وسيلته ليزيل عنهم الرجس، الذي ادى بهم إلى الضعف وكان يأخذ منهم مبالغ الكشفية ويبيع لهم الدواء والتعويذات وغيرها، وعندما يأتي دور عادل امام للدخول عليه لغرض الحصول على علاج يكتشف انه مجرم سابق استطاع استغلال الظروف وجعل من نفسه شخصاً مبروكاً ( يفك وكسة الناس)، وما أن عرفه سحب مسدسه في سعي منه لإلقاء القبض عليه بتهمة الشعوذة واستغلال الناس ليتفاجأ بكلام غاية بالخطورة وظفه كاتب الفيلم بطريقة لإيصال فكرة: إنه في الاوقات العصيبة التي تخص الاسرة والمجتمع هناك من يستغلها ويستغلهم، معتمداً على جهلهم ليمارس الايهام والديماغوجية بشكل حرفي،فقد وجه كلامه لرئيس المباحث بنبرة الواثق: إنك لا تستطيع اعتقالي؛ لأن هذه الجماهير التي تحتاج إلى علاج ستثور بوجهك وبوجه الحكومة.
وبالفعل ما أن اعتقله ليتفاجأ بثورة جماهير وقد طوقت المنزل وهي تطلب من عادل امام ترك الرجل المبروك وهم يرددون: لماذا تعتقله دعه يعالجنا بعد أن عجزت حكومتكم عن ذلك.
إنها رسالة أن يكون الدور الفاعل للحكومة في وضع الحلول العلمية ودعم العلم، حتى لا يستشري الجهل والدجالون وما اكثرهم اليوم لنحول مجتمعاتنا إلى مجتمعات مؤمنة بالله وقادرة على تحكيم العقل ومنحه الريادة.