ساطع راجي
الهدوء السياسي والأمني الذي يعيشه العراق منذ عدة أشهر، هو حالة لم يعرفها العراق منذ عقود، لا أحد يتذكر متى مرت ثمانية أشهر بمثل هذا الهدوء في بلادنا، ولا يمكن التسرع بتفسير الحالة، اعتمادا على عوامل داخلية فقط، فالاقبال الدولي على العراق والدعم الخارجي الواضح للحكومة يلزمان المراقب بالتعامل مع هذا الهدوء كجزء من حالة إقليمية أو دولية عامة، وهو ما ترجحه موجة التصالحات وجولات الحوار بين الجميع في المنطقة.
ما يهم في هذا الهدوء هو تحليل عناصر إدامته من جهة واستثماره لإنجاز الملفات المؤجلة من جهة أخرى.
في المهمة الاولى، ليس مطلوبا من صناع القرار والزعماء السياسيين عقد ندوات عامة أو تدبيج مقالات وتأليف كتب عن عناصر الاستقرار الاستثنائي الراهن وسبل إدامته، بل عليهم كشخصيات منفردة أو قوى حزبية تحليل الوضع بصراحة (داخلية) والتمسك بعناصر هذا الاستقرار أيا كانت، إذ خسر العراق كثيرا منذ عام 2003 للوصول إلى الاستقرار الراهن وحتى لايتحول إلى مجرد “سحابة صيف” يجب التمسك بكل عناصر وجوده وإدامتها بأي ثمن كان، لأنه حتما سيكون أقل من ثمن عدم الاستقرار الذي نعرفه جيدا.
في المهمة الثانية، لا يعني الاستقرار اختفاء المشكلات الحقيقية والقديمة بل يعني تراجع الاحتقانات السياسية ومنهج التحريض وكذلك تراجع العمليات الارهابية، ولذلك فالتوقيت ليس مناسبا لتجاهل المشكلات بل حلها ومنها الاختناقات الدستورية والعلاقة بين بغداد وكردستان وقانون النفط وقوانين العدالة الانتقالية ومكافحة الفساد والتحول الاقتصادي نحو نظام يوفر المزيد من فرص العمل الحقيقية، ومشكلة السلاح غير النظامي، والنزاعات العشائرية المسلحة.
إن التوجه إلى حل المشكلات المزمنة هو الذي سيكشف في ما إذا كان الاستقرار الراهن حقيقيا أم مجرد حالة عابرة، وحتى لو كان عابرا ونتيجة لظروف دولية مؤقتة، فإن استثماره سريعا قد يؤدي إلى ترسيخه وإدامته، لإن هذه الحالة ستستغل مستقبلا في الاستهانة بالاستقرار على اعتبار إنه لم يكن مثمرا وإن إنعدامه ليست ذريعة كافية لتبرير الفشل والفساد، وبالتالي تمتلك قوى التحريض والعنف مبررا لاستئناف نشاطها، مع ملاحظة أن المتشائمين يعتقدون بنهاية الاستقرار سياسيا على الاقل مع موعد انتخابات مجالس المحافظات.
في كل الاحوال، لا يمكن تصور أن يدوم الاستقرار في دولة ما دون قيام كل مؤسساتها وقواها بواجباتها في تدعيم عناصر الاستقرار والانتفاع منه بما يؤدي إلى ديمومته وجعله مثمرا اقتصاديا وخدميا ونافعا في السياق الدولي، فالاستقرار ذهب تكون قيمته حقيقية عندما يدعم المشاريع المثمرة والضرورية.