محاضرة عن نقد النقد في بابل

ثقافة 2023/06/19
...

 بابل: صلاح حسن السيلاوي

ألقى الناقد والشاعر الدكتور رشيد هارون محاضرة عن موضوعة «نقد النقد» على قاعة نقابة المهندسين ضمن نشاطات اتحاد أدباء بابل دورة المترجم صلاح السعيد. المحاضرة التي كانت بعنوان (تطريز التطريز، كتاب» في دائرة نقد النقد» اشتغالا.) تمثل قراءة نوعية لكتاب (في دائرة نقد النقد) للدكتور فاضل عبود التميمي.

 أشار من خلالها هارون إلى أن المصادر التي استعان بها الدكتور فاضل عبود التميمي في انجاز كتابه يمكن أن تبرق برسائل أولية للقارئ المختص مفادها أنه استدعى المصادر التي أقامت عماد عمله على نحو دقيق، إذ يمكن لمتفحصها ملاحظة علاقتها عنوانات أو متوناً بالنقد الأدبي ونقد النقد.

 ثم تحدث المحاضر عن مقدمة الكتاب قائلا: إن مقدمة كتاب ما تقود القارئ والمتلقي الى فكرة أنه بأزاء مقدمة ســتقود لا محال الى نتائج بفعل إشارات معينة تشي بعقلية جدلية، وهكذا ابتدأ التميمي مقدمته، (إذا كان النقدُ العربيُّ في بدء مشواره التاريخي، ثمّ الفني معنيّا بتخليص جيّد الشعر من رديئه،) وهو بذلك دخل دخولا موفقاً نزولاً عند حاجة أداة الشرط لفعلها، كي تكتمل أركان الجملة الشرطية التي تشي بضرب من التأجيل والتعليق، وكما هو آت في قوله: «إذا كان النقدُ العربيُّ في بدء مشواره التاريخي، ثمّ الفني معنيّا بتخليص جيّد الشعر من رديئه، فإنّ النقد المعاصر تجاوز تلك العناية ليقف عند دراسة النصوص الأدبيّة، والتمييز بين أساليبها المختلفة، وصولا إلى تحليل الأهمّ منها فقد ورد في التنصيص أعلاه تعبير، النقدُ العربيُّ في بدء مشواره التاريخي، ثمّ الفني معنيّا بتخليص جيّد الشعر من رديئه، وهو بذلك يشدد على وظيفة النقد الأثيرة، فضلاً عن أنه يذكّر ويحيل ضمناً الى وظيفة نقد النقد الجديدة التي يمكن أن أستشفها من تفوهاته، تلك الوظيفة تتجلى في تخليص جيد النقد من رديئه!! واصفاً نقد النقد بأنه «وعي على وعي» تأكيداً على هذه الممارسة النقديّة العقليّة المنَظّمة المسبّبة القائمة على الحجة والبرهان.

وأضاف هارون مؤكدا: وهو بذلك يدور بعناية، ودراية واضحة حول الموضوع الذي يدرس، واقفاً على تعريفه ووظيفته ومعمقاً لهما في كل مناسبة وسياق يسمح بذلك، الأمر الذي يؤكد تشبّع روحه بالموضوع والحقل موضع قراءاته في هذا الكتاب، فضلا عن أنه لم يأتِ من قريب أو بعيد على التقليل من دائرة النقد الأدبي التي وسمناها بالاتساع فهي عنده دائرة وعي استجلبت دائرة وعي أخرى؛ الأمر الذي يعني أن نقد النقد قد يصمت ويسكت متى ما قام النقد الأدبي بالوظيفة التي أسندت اليه على أكمل مبتغى. 

ثم تكلم المحاضر عن اشتغال الكتاب في دائرة نقد النقد عبر قراءات في نصوص نقديّة معاصرة، لافتا إلى انه يريد أن يقرأ منجزا نقديّا لخمسة من النقاد العرب المعاصرين المختلفين في توجهاتهم النقديّة، والفكريّة، وأساليب اشتغالهم، في ضوء مقولات (نقد النقد) التي تهدف إلى الوقوف عند المنطلقات النظريّة، والاجرائيّة للخطاب النقدي، فضلا عن تفكيك قراءاته، وردّها إلى جملة المرجعيّات الفاعلة فيه طمعا في إنتاج علاقات جديدة تستقوي بالمتون، ولا تقيم وزنا للاعتبارات الأخرى.

وأضاف هارون: نحن بأزاء خمس قراءات تصدّت لمنجز خمسة نقاد؛ أفرد المؤلف فصلاً من الكتاب لكل منهم، ففي التمهيد جاء التميمي على المصطلح والمفهوم والوظيفة، ونقد النقد ومجاوراته، وقد أشار الى نقد النقد بوصفه ممارسة عملية ضاربة في القدم لم يختلف عليها اثنان، وأورد النماذج من المؤلفات.  

في سياق حديث التميمي عن نقد النقد ومجاوراته، وقف على (التسميات) البديلة التي اقترحها النقاد العراقيون والعرب ليخلص الى الفكرة الآتية: واضح من تأمّل المسمّيات السابقة أنّها تشير إلى مقابلات مستعارة من ثقافة الآخر، أو مقترحة من قراءات أصحابه، وهي جميعها تعكس حقيقة التعامل مع المصطلح الأول (نقد النقد) بعيدا عن شروط الصياغة، والتبني، التي تؤكد على الاقتصار على مصطلح واحد ذي مفهوم واحد، وتجنّب التعدديّة في اطلاق التسميات، والركض وراء دلالاتها؛ لأنّ المصطلح -أيّ مصطلح- لا بدَّ أن يعيش حالات التقبّل، والشيوع، والاستقرار بسبب قوّته النقديَّة بعيداً عن المترادفات، واطلاق التسميات التي تعمل على تشتيت صياغته، وإشاعة الفوضى في استعماله ثم لينتهي الى سؤال غاية في الأهمية وعلى نحو ما هو آت: «تُرى لِمَ اقترح أولئك النقاد تسمياتهم تلك؟ يقينا لأسباب تردّ إلى عدم قناعتهم بالمصطلح، وميل بعضهم إلى المخالفة من أجل البحث عن شكل جديد يكون بديلا عن الشكل السائد، وقد قدّم عددٌ منهم مسوغات تبنّي التسمية الجديدة مشفوعة بالحاجة الثقافيّة، ولكن على الرغم من تعدّد تلك التسميات، واقترابها من فضاء المصطلح فإنّ (نقد النقد) أثبت شيوعه، واعتماده في الدراسات الحديثة المتجهة إليه وإلى النقد أيضا؛ ولهذا صار الحديث عنه وفيه حراكا فاعلا ينهض بالخطاب النقدي أولا، والمعرفي ثانيا وله اسهاماته التي ستؤدي بالتأكيد إلى إيجاد حياة ثقافيّة زاهرة في ظل تعدّد الآراء، وتسامحها، وانشغالها بما هو معرفيّ؛ ومن هنا شاع مصطلح (نقد النقد)، واقترن بممارسات النشر من خلال أغلب الفاعلين في هذا النشاط العلمي.  وقد قدم عدد من مثقفي المدينة مداخلات أسهمت بإغناء الأمسية والحوار بشأن موضوعتها النقديَّة، هم كل من الباحثين سعد المعموري وعبد الامير صبار والدكتور علاء حسن والشاعر جبار الكوّاز.