عبدالزهرة محمد الهنداوي
إنها المرّة الثانية التي تحط بها تلك الطائرة العملاقة الفخمة، في مطار بغداد، وهي تقل امير دولة قطر تميم بن حمد ال ثاني، فقد كانت المرة الاولى في شهر اب عام 2021، واعاد الامير الكرّة ثانية مساء منتصف حزيران، عام 2023، ولكن بدت الزيارة هذه المرة مختلفة تماما عن سابقتها، فهي تعد أول زيارة لزعيم عربي في عهد حكومة السيد السوداني، ولم تكن الزيارة بقصد المشاركة في مؤتمر يشارك فيه زعماء اخرون، إنما كانت بغداد تنتظر حضور الامير لوحده في زيارة حملت معها الكثير من الدلالات والابعاد السياسية والاقتصادية، ليس فقط لتطوير العلاقات بين البلدين، بل ستكون لها آثار مهمة في جوانب اخرى، قد لا تبدو واضحة للعيان، فكان الاستقبال عالي التنظيم والفخامة، يتناسب مع اهمية وحجم الزيارة، بدءا من لحظة هبوط الطائرة، وصولا إلى القصر الحكومي الذي شهد مراسيم استقبال رائعة، ومبهرة..
لم تستغرق زيارة الامير تميم، سوى ثلاث ساعات قضاها في بغداد، ولا أعلم إن كان قد تناول طعام العشاء ام لا، بسبب ضيق الوقت، ولكن هذه الثلاث ساعات كانت كافية لترجمة الكثير من الرؤى والافكار والاضاءة على جوانب مهمة ذات صلة بالعلاقات الثنائية، والملفات المتعلقة بقضايا المنطقة، سياسيا وامنيا واقتصاديا ومناخيا ايضا، ومثل هذه المفاصل لا تتعلق بالعراق وحسب بل لها اثر وتأثير على بلدان المنطقة، ومنها تركيا الخارجة توا من الانتخابات وبقاء اردوغان متربعا على (عرشها) ومعلوم قوة العلاقات القطرية- التركية، ومعلوم ايضا مشكلتنا مع الاتراك في ما يتعلق بملف المياه، كما ان الزيارة تأتي بعد النجاح الكبير الذي حققه العراق في ملفين مهمين، الاول ببعدين داخلي وخارجي، وهو الاعلان عن طريق التنمية، واثر هذا المشروع في الجانب الاقتصادي لبلدان الاقليم، ومعروف الثقل الغازي لقطر فهي تسمى بلاد الغاز غير المصاحب، وبذلك يمكن ان يشكل طريق التنمية شريانا مهما لأوروبا وتدفئة بردها بالغاز القطري، كما يمكن للعراق ايضا ان يلبي حاجته من هذا الغاز، وبالتالي يمكن ان يكون في ذلك حل لمشكلة الكهرباء عندنا، والثاني خارجي يتمثل بعودة سوريا إلى موقعها بين الدول العربية، وهذه القضية ايضا يمكن ان تنعكس ايجابا على تنقية الاجواء بين دول الخليج ذاتها وبينها وبين سوريا، وايران وعلاقة هذا الامر باوضاع اليمن.
وقبل هذا وذاك فان زيارة الشيخ تميم إلى بغداد، تمثل نجاحا لدبلوماسية السياسة المبطنة بالاقتصاد، للحكومة العراقية، اذ كان واحدا من نتائج الزيارة، الاعلان عن استثمار ٥ مليارات دولار قطرية في العراق خلال السنوات المقبلة، فضلا عن توقيع عدد من مذكرات التفاهم، بين بغداد والدوحة، وهذا من شأنه ان يعزز دور العراق المحوري في المنطقة، سياسيا واقتصاديا، فيكون بذلك عامل استقرار وازدهار لدول الجوار والمنطقة..كل ذلك جرى في غضون ثلاث ساعات فقط.