العراق إلى الاقتصاد الخدمي مستقبلاً

آراء 2023/06/20
...








 سناء الوادي

إنّ المتابع عن كثب للشؤون العراقية الاقتصادية داخلياً وخارجياً يلمس رغبة واضحة عند السياسيين النافذين بالقيام بقفزةٍ كبيرةٍ، واعتبارها نقطة الارتكاز لنقل العراق من ضفة الفوضى والشتات، التي عصفت به على مدار الأعوام الماضية إلى ضفة الاستقرار والتقدّم، بل ووضعه في البرّ الآمن بألا يكتفي بكونه بلداً نفطياً فقط في ظلّ عالم متغير يسعى فيه الجميع لابتكار مصادر للطاقة متجددة و صديقة للبيئة، ما معناه من يملك المستقبل عليه أن يملك أدواته ومفاتيحه.
عطفاً على ما ذكر أعلاه فالخطوة الأولى الفارقة في نهضة الاقتصاد، يجب أن تنطلق من الموارد المتوافرة والتي يتميز بها العراق عن غيره من دول الجوار، لذلك وفي واقع التقهقر في القطاعين الصناعي والزراعي، ناهيك عن الجفاف المائي الحاصل، وبما أن هذا البلد قد احتل في العام 2022 المركز الرابع عربياً بالناتج المحلي الإجمالي والبالغ قرابة 173 مليار دولار بحيث أسهم بيع النفط بالحصة العظمى من الناتج الإجمالي، فكان لزاماً توجيه هذا الدخل لمشاريع تساهم في تنشيط الاقتصاد ودفع عجلته للأمام بما يعود بالفائدة النهائية إلى خزينة الدولة.
وفي هذا السياق كان قد أُعلن عن عدة مشروعات في الأعوام القريبة الماضية، لم نعلم ما مدى ما أنجز منها حتى الآن، كمشروع مدينة البصرة الرياضية وبرج أربيل وتأهيل السكك الحديدية التي تصل البصرة ببغداد ثم إلى الغرب وأخرى إلى الشمال، ناهيك عن استحداث مترو أنفاق وامتلاك القطارات السريعة بيد أنه لا يمكن إغفال المشروع الحيوي الأهم على الإطلاق تأهيل ميناء الفاو، ويدخل ضمن هذه الدائرة من المشاريع ما أعلن عنه رئيس الحكومة محمد شياع السوداني بالتعاون مع تركيا وأسماه طريق التنمية، الذي يجعل من العراق نقطة عبور رئيسية بين الشرق والغرب، كل ذلك يندرج تحت بند التدعيم للبنى التحتية وتهيئتها لتقديم الخدمات على مستوى يرتقي للمنافسة مع المحيط الإقليمي.
لن تكون النتائج المُرضية التي ينتظرها ويأملها الشعب العراقي واضحة في قادم الأيام، لكنها بالتأكيد ستتأكد ملامحها بعد عدة سنوات لترسم مستقبل جديد للبلاد، لا شك أنه لنا في تجارب الدول التي اتجهت نحو الاقتصاد الخدمي مثال واضح على أهمية هذا القطاع، كرديف أساس لإجمالي الناتج القومي وهذا ما تنتهجه بالضبط جمهورية مصر العربية ويتجلى ذلك في بناء مشروع الطاقة الشمسية الأكبر عالمياً وبناء المدن الصناعية المتكاملة، فضلاً عن دعم السياحة، كذلك ما قامت به دولة الإمارات المتحدة، فهي أصبحت مركزا تجاريا استثماريا عقاريا هو الأول في الشرق الأوسط، ولا ننسى أن جائحة كورونا التي أغلقت العالم أجمع كان لها دور في تسريع وتيرة الانتقال إلى تقديم الأعمال الخدمية، التي بقيت قيد التداول رغم الاغلاقات ومنها الخدمات المصرفية والطبية وغيرها الكثير إلكترونياً.
ماذا ينتظر العراق إذا ما أكمل المسير بلا تباطؤ أو كلل، محاولاً تجاوز كل العقبات التي تعترضه باتجاه الاعتماد على هذا النوع من الاقتصاد؟
بدايةً وحسب ما يراه كبار الاقتصاديين هو سينتقل حتما من قائمة الدول ذات الاقتصاد الريعي وقد ينطلق هذا الطائر حبيس قضبان القفص الذي أضناه حرباً ونهباً لثرواته وأفقر مواطنيه معلناً الطيران حرّاً في سماء الازدهار والرفاهية، من المؤكد أن أولى منعكسات ذلك ستكون بالعودة بالصناعة العراقية العريقة إلى سابق عهدها ذلك ببناء المدن الصناعية على طرفي طريق النقل العابر للعراق ما يفتح الأسواق الخارجية أمام المنتوجات الوطنية ناهيك عن الآلاف من فرص العمل التي ستتوافر نتيجة ذلك، ولا ضير من جذب الاستثمارات الأجنبية، أما في الجانب الآخر تماماً والذي يشكل الوجه الثاني للعملة إلى جانب الاقتصاد ألا وهي السياسة فتقديم الخدمات الطبية والتعليمية والنقل والسياحة والاستثمارات والتسويق العابر للدول عبر الانترنت سيتبع ذلك بديهياً تقوية في العلاقات الدبلوماسية مع العراق حين يصبح ذو موقع مؤثرو له أهميته الكبيرة فالكل يدرك جيداً أن السياسة تابع مخلص للاقتصاد.
وكما أسلفت بالذكر أن للمستقبل أدواته ومن يمتلكها يحجز مكانه فيه، المستقبل هو اكثر ذكاءً ويعتمد على التكنولوجيا المتطورة والقدرات والكفاءات التي تجني مردوداً كبيراً بأقل جهد بشري وأقل تكلفة مادية،وهو ما يعرف بإتقان بيع الخدمة.

 كاتبة سورية