عمر الناصر
لنرجع بفلاش باك Flash back قليلاً إلى الوراء ونفكر بعُمرْ العملية السياسية في العراق بعد أن اكملت اليوم 20 عاما في ظل الديموقراطية الثّيب، التي دخلت نسختها الينا بلا لون ولا طعم ولا رائحة أو ربما اشبهها بطائرات F16، التي دخلت لنا غير كاملة المواصفات، ديموقراطية لم تكن لها فترة تمهيدية وتدريج لادخال مواد ومضامين تتلاءم مع مجتمع منعزل عن العالم، قد عانى من الديكتاتورية لعقود طويلة لأكثر 35 عاما، توَلّدت صدمة حقيقية لدى الكثيرين بانتقالهم من الاوتوقراطية المطلقة إلى الحرية والديموقراطية المفرطة.
كنت أحد المستبشرين بالتغيير والتحوّل النوعي ساعياً، لأن أكون أحد اعمدة المجتمع المدني والمنظرين لبث الوعي الديموقراطي والانتخابي وشيوع مبدأ التداول السلمي للسلطة، بغية الحفاظ على النسيج المجتمعي وعدم عسكرة المجتمع، غير أن الاستقطاب الطائفي والمحاصصاتي دُكت اساساتهم بطريقة شرعية ودستورية، بعد أن تمّ إدخال مفاهيم ومصطلحات هجينة كمصطلح المكونات بدلاً من مبدأ المواطنة وبناء دولة المؤسسات، جعل من ذلك ذريعة تتذرع بها بعض الجهات التي “ارتدت ثوب السياسة والدين” لكسب ودغدغة عواطف الجمهور ومغازلة افكارهم البسيطة، ناهيك عن كونها لم تكن لديها اي قواعد شعبية أو جماهيرية تستمد قوتها وديمومتها منها، وتستند إليها وتتمترس خلفها وقت اشتداد الازمات في ذلك الوقت سوى القليل منهم، من أجل خلق مريدين وجمهور محتكر له القدرة على الانحناء للصعود على اكتافهم في وقت تهاوت فيها بورصة الانتخابات.
بدأ منسوب الوعي المجتمعي يتصاعد بصورة ملحوظة بعد عام 2014، واصبح مزاج الناخب يتأرجح ما بين المشاركة والمقاطعة، في ظل هبوط حاد في ضغط الميول الذاهبة باتجاه اعادة تكرار وتدوير بعض الاوراق، التي احترقت واخفقت بتحقيق اي منجز ملموس على ارض الواقع، نتيجة الانتهازية والوصولية والفشل والفساد وسرقة المال العام، الذي اضطرها لاخذ خيار المغادرة بهدوء دون ضجيج أو عويل لفظهم الباب الخلفي لمجلس النواب، أدى إلى ذوبانهم اليوم كلياً داخل الصمت الاعلامي واخذهم فترة اجازة طويلة، خصوصاً بعد ان اعلنت تلك الاطراف افلاسها السياسي بشكل واضح.
لم يستغل المستقلون وجمهورهم الكسول من الاغلبية الصامتة الصماء فرصة تراجع جمهور بعض الاحزاب السياسية القابضة على السلطة، ليملؤوا الفراغ بوثبة نوعية تذهب باتجاه المعارضة السياسية فقط وليست المشاركة في السلطة كما فعل البعض منهم، ولم يذهبوا لاستنساخ تجربة دول مرت بهذا المخاض نفسه مثل راوندا والبوسنة والهرسك، بعد أن رأينا بأن الكثير منهم اما مشارك بالحكم أو يلوح بالمقاطعة دون ذهاب إلى نية جادة بخلق جبهة وطنية حقيقية مؤمنة بتفعيل المعارضة السياسية، لا تستجب للميول والاغراءات وهوس السلطة والمال السياسي، الذي استقطب البعض ممن ادعوا أنهم مستقلين، ولتصحيح المسار المتعرج من خلال اعطاء جمهورهم جرعة ادرينالين سياسية تسحب بقية المتشائمين والعازفين عن للانتخابات خارج اطار دائرة تكسير مجاديف المتفائلين بالتغيير، تمتص سخطهم وتحفزهم للاصطفاف إلى جانب اقرانهم بتحالف متماسك ومتين ليس كتحالفات عصى الخيزران، ندخل على اثره المعادل السياسي النوعي، الذي يكون الفيصل بإعادة هرمون الثقة بينهم وبين الشارع، من خلال الازاحة السياسية الديموقراطية الناعمة المؤمنة بالمشروع الوطني وبناء الدولة، خارج قوقعة بدعة الشراكة والتوافقية والمحاصصة، وصولا إلى نقطة المعارضة الوطنية البناءة تحت قبة البرلمان، لا المعارضة التخريبية الهدامة التي لها قدمان واحدة في تحكم وأخرى تعطل، تسعى لدك أسسها بعض الجهات، لكي تكون بمثابة المعوّل الذي يهدم ويزيد من فجوة الثقوب السياسية السوداء.