البنوية التوليدية.. محاولة في فهم العراق المعاصر
إسماعيل نوري الربيعي
التاريخ المعاصر للعراق هو موضوع معقد ومتعدد الأوجه، مع مجموعة من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تشكل مسار البلاد على مدى العقود العديدة الماضية. تتمثل إحدى المقاربات لفهم هذا التاريخ في النهج البنيوي التوليدي، الذي يسعى إلى تحديد العوامل الهيكلية الأساسية التي شكلت تطور العراق ومساره السياسي. في قلب النهج البنيوي التوليدي، تكمن فكرة أن الهياكل الاجتماعية توليدية، مما يعني أنها تنتج وتعيد إنتاج أنماط السلوك والعلاقات الاجتماعية وديناميكيات السلطة بمرور الوقت.
هذه الهياكل ليست ثابتة أو غير قابلة للتغيير، بل هي عرضة للتغيير والتحول بمرور الوقت نتيجة لعوامل داخلية وخارجية. لتطبيق هذا النهج على التاريخ المعاصر للعراق، نحتاج إلى تحديد الهياكل الاجتماعية الرئيسية والعوامل التي شكلت تنمية البلاد. أحد أهم هذه الهياكل هو النظام السياسي، الذي هيمنت عليه سلسلة من الأنظمة الاستبدادية منذ الإطاحة بالنظام الملكي في عام 1958.
في ظل هذه الأنظمة، تركزت السلطة في أيدي نخبة صغيرة، بينما تم استبعاد غالبية السكان من المشاركة الفعالة في العملية السياسية. وقد أدى ذلك إلى مجموعة من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك الفساد وعدم المساواة والفقر، التي بدورها أدت إلى تأجيج الاضطرابات الاجتماعية وعدم الاستقرار السياسي. العامل الهيكلي الرئيسي الآخر في تاريخ العراق المعاصر هو الثروة النفطية للبلاد. في حين كان النفط مصدرًا رئيسيًا لإيرادات الدولة العراقية، فقد كان أيضًا مصدرًا للصراع وعدم الاستقرار. كانت السيطرة على موارد النفط عاملاً رئيسياً في العديد من الحروب والصراعات في البلاد، كما شكلت التنمية الاقتصادية للبلاد والبنية الاجتماعية. قد يجادل النهج البنيوي التوليدي بأن هذه العوامل ليست مجرد نتيجة لقرارات أو أحداث فردية، ولكنها نتيجة لعوامل هيكلية أعمق شكلت تطور العراق بمرور الوقت. على سبيل المثال، يمكن إرجاع تركيز السلطة السياسية في أيدي نخبة صغيرة إلى التاريخ الاستعماري للبلاد، عندما تركزت السلطة بالمثل في أيدي طبقة حاكمة صغيرة.
وبالمثل، يمكن إرجاع دور النفط في تاريخ العراق المعاصر إلى الماضي الاستعماري للبلاد، عندما تم اكتشاف النفط لأول مرة واستغلاله من قبل القوى الأجنبية. تشكل التطور اللاحق لصناعة النفط في البلاد من خلال مجموعة من العوامل الهيكلية، بما في ذلك تأثير شركات النفط الدولية، ومتطلبات الأسواق العالمية، والمصالح الجيوسياسية للقوى الإقليمية والعالمية. لتطبيق النهج البنيوي التوليدي على التاريخ المعاصر للعراق، نحتاج إلى النظر إلى ما وراء الأحداث السطحية والقرارات الفردية، وبدلاً من ذلك التركيز على العوامل الهيكلية الأعمق التي شكلت تنمية البلاد. يمكن أن يساعدنا هذا النهج في فهم الطبيعة المعقدة والمتعددة الأوجه لتاريخ العراق المعاصر بشكل أفضل، وتحديد العوامل الرئيسية التي ستشكل التنمية المستقبلية للبلاد.
تم تشكيل تاريخ العراق المعاصر من خلال مجموعة من الأحداث الرئيسية، كان للعديد منها عواقب سياسية واجتماعية واقتصادية بعيدة المدى على البلاد. تشمل بعض أهم هذه الأحداث ما يلي:
1. الإطاحة بالنظام الملكي في عام 1958: كان هذا الحدث إيذانا بنهاية النظام الملكي في العراق وتأسيس الجمهورية. كانت تقودها مجموعة من الضباط العسكريين الذين سعوا إلى تحديث البلاد وتقليل نفوذ القوى الاستعمارية البريطانية.
2. استيلاء البعثيين على السلطة عام 1968: استولى حزب البعث على السلطة في انقلاب عام 1968 بقيادة صدام حسين. كان هذا بمثابة بداية فترة الحكم الاستبدادي التي استمرت حتى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003.
3. الحرب العراقية الإيرانية (1980 - 1988): كان هذا نزاعًا مدمرًا بين العراق وإيران استمر لمدة ثماني سنوات وأسفر عن مقتل مئات الآلاف من الأشخاص من الجانبين. كما كان لها تأثير كبير في اقتصاد البلاد وهيكلها الاجتماعي.
4. حرب الخليج (1990 - 1991): كان هذا صراعًا بين العراق وتحالف دول بقيادة الولايات المتحدة، كان هدفه إجبار العراق على الانسحاب من الكويت. كان للحرب عواقب اقتصادية وسياسية كبيرة على العراق، بما في ذلك فرض عقوبات استمرت لأكثر من عقد من الزمان.
5. الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق (2003): كان هذا تدخلاً عسكريًا مثيرًا للجدل بقيادة الولايات المتحدة، استهدف إزاحة صدام حسين من السلطة وإقامة حكومة ديمقراطية في العراق. كان للحرب عواقب سياسية واجتماعية بعيدة المدى، بما في ذلك زعزعة استقرار البلاد وظهور العنف الطائفي.
6. صعود داعش (2014 - 2017): كان لظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تأثير كبير في المشهد السياسي والاجتماعي في العراق. سيطر التنظيم على أجزاء كبيرة من البلاد، مما أدى إلى أزمة إنسانية كبيرة وفاقم التوترات الطائفية.
هذا ليس سوى عدد قليل من الأحداث الرئيسية التي شكلت تاريخ العراق المعاصر. تشمل العوامل المهمة الأخرى الثروة النفطية للبلاد، وعلاقتها بالدول المجاورة، والنضال المستمر من أجل الإصلاح السياسي والاقتصادي.
كان للحرب الإيرانية العراقية، التي استمرت من 1980 إلى 1988، عواقب اقتصادية كبيرة على العراق. دارت الحرب إلى حد كبير على طول الحدود بين البلدين، وأدت إلى إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية للعراق، بما في ذلك منشآته النفطية وشبكات النقل والقطاع الزراعي. تتضمن بعض النتائج الرئيسية للحرب على الاقتصاد العراقي ما يلي:
1. تدمير البنية التحتية: أسفرت الحرب العراقية الإيرانية عن أضرار جسيمة للبنية التحتية العراقية، بما في ذلك مصافي النفط وخطوط الأنابيب وشبكات النقل. كان لهذا الضرر تأثير كبير في قدرة البلاد على تصدير النفط، الذي كان مصدرًا رئيسيًا لإيرادات الحكومة العراقية.
2. الديون والضغوط المالية: كانت الحرب مكلفة لكلا البلدين، واقترض العراق بكثافة من مقرضين أجانب لتمويل عملياته العسكرية. بحلول نهاية الحرب، كان العراق مثقلًا بالديون وكان يعاني من عجز كبير في الميزانية مما شكل ضغطًا كبيرًا على الموارد المالية للبلاد.
3. انخفاض إنتاج النفط: كان للحرب تأثير كبير في إنتاج النفط العراقي. قبل الحرب، كان العراق أحد أكبر منتجي النفط في العالم، ولكن خلال الصراع، انخفض الإنتاج بشكل كبير بسبب الأضرار التي لحقت بالمنشآت النفطية وتعطل شبكات النقل.
4. تقليص الإنتاج الزراعي: كان للحرب الإيرانية العراقية أيضاً تأثير في القطاع الزراعي العراقي، الذي عانى من نقص الموارد وتلف أنظمة الري. وقد أدى ذلك إلى انخفاض الإنتاج الزراعي وزيادة أسعار المواد الغذائية، مما كان له تأثير كبير في سكان البلاد.
5. العواقب الاجتماعية والإنسانية: كان للحرب الإيرانية العراقية عواقب اجتماعية وإنسانية كبيرة على العراق، بما في ذلك نزوح مئات الآلاف من الناس، وزيادة الفقر والبطالة، وتراجع الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم.