البيضة أم الدجاجة؟

آراء 2023/06/22
...

حارث رسمي رحومي

«هل الأحزاب تعبّر عن الاختلافات أو تنتجها”، هذه الجملة يطرحها بورديو وهو يُعرّف بالنظرية المتوسطة، أي ما يعتقدها بأنها النظرية الواقعة بين الذاتانية المتطرفة والموضوعانية المتطرفة، وأعتقد بأن هذه السؤال/ الجملة لا تجد حضورها في مكان بقدر حضورها المركزي في السياق العراقي.
ومنذ الكلاسيكيات وحتى آخر أدبيات السياسة، لا تختلف التعاريف الكثيرة عن الاحزاب وأدوارها بشكل جوهري، وتركز أغلبها على اعتباره – الحزب- تجمع للمواطنين المؤمنين ببعض الأفكار السياسية، والذين يعملون على تحقيقها ويسعون نحو تحشيد أكبر عدد من المواطنين، حول تلك الاهداف والافكار ويعملون جهدهم للوصول إلى السلطة، وهذه الاخيرة هي التي تمكنهم بفعل أدواتها من تحقيق تطلعاتهم واهدافهم. أو تعمل على التأثير على أصحاب القرار، لتبنيها من خلال التحالفات وتكوين جماعات الضغط وغيرها من الوسائل، التي عرفتها آليات العمل السياسي، وتقديمها إلى الحكومة، إضافة إلى أنها تعمل وإن بصورة غير مباشرة على اضفاء نوع من الاستقرار المجتمعي طالما استطاعت تقديم مطالب الجماعات دون اضطرارهم إلى فرضها باستخدام العنف.
في كل اللحظات الحرجة من عمر هذا النظام السياسي، الذي أكمل عقده الثاني تجد جملة بورديو حضورها، وأمام كل صراع سياسي يلقي بظلاله على توتر الاجواء وشحنها تؤكد هذه الجملة راهنيتها ونتجاوزها، دون التفكير بضرورة الاجابة اذا افترضنا أن سؤالاً مثل هذا قد يُطرح من الأساس. هل فعلاً أن من يعمل على أرض الواقع السياسي في العراق هي أحزاب سياسية بالمعنى الصحيح، على الأقل من ناحية أنها تمثل توجهات وتطلعات مجتمعية ولها ارتباطات بشرائح معينة تأخذ على عاتقها الدفاع عنها وتقديم طلباتها، والسعي من أجل تحقيقها. هل ما نراه في لحظات الصراعات السياسية التي ما أن نتخلص من واحدة منها حتى ندخل الثانية هي فعلاً صراعات قادمة من المجتمع بطبقاته وشرائحه أم العكس.
أعتقد أن الاجابة على سؤال مثل هذا يجب أن تحظى باهتمام المجتمع عموماً ونخبه السياسية تحديداً، وكل من له اهتمام وانشغال بالمجال العام وقضاياه، ومن خلال تلك الاجابة، سيكون واضحاً ما الذي تريده أحزابنا السياسية ولمن ستذهب انتصاراتها، بعد كل المعارك والصراعات التي تخوضها.