طالب سعدون
لغة الأرقام فصيحة وهي أكثر بلاغة من لغة الكلمات، لأنها تطابق واقع الحال تماما بدون تزويق.. والرقم هو رمز لعدد يحمل العدد نفسه اينما يرد.. فالرقم تسعة مثلا يحمل هذا العدد عندما يرد ذكره في حالة التقدم أوالتخلف، لكنه يختلف في نسبة التأثير في الحالتين.. فالبلد المتقدم بنسبة تسعة في المئة يتقدم على البلد الذي يتراجع بهذه النسبة، وتصبح النسبة تراكمية بمرور السنين اذا ما استمر الحال على المنوال نفسه.. وبذلك تعبر الارقام عن نفسها بنفسها وتنطق باسم الحقيقة، وتذهب إلى الهدف مباشرة باختصار دون إسهاب وإطناب أو لف أو دوران أو تضخيم أو تصغير.
لا أريد أن أدخل في لغة الارقام بالتفاصيل فنكون نحن ومن على شاكلتنا من دول النفط العربية من الخاسرين بالمقارنة مع تجارب أخرى لدول مرت بظروف مشابهة لظروفنا، وتظهر الارقام الفرق بيننا..( فشركة واحدة فقط في كوريا الجنوبية على سبيل المثال وهي سامسونج المتخصصة بصناعة الالكترونيات ربحت في عام واحد 327 مليار دولار، بينما يبلغ ربح شخص واحد هو (بل غيتس) مؤسس شركة ما يكروسوفت 226 دولارا في الثانية... ولك أن تقدر عدد السنوات التي تحتاجها دول بترولية عملاقة في الانتاج لجمع هذا المبلغ الكبير)..
أليس من حق المواطن أن يستحضر هذه التجارب ويقارن حال بلاده بها، حيث تنقطع الكهرباء على سبيل المثال لساعات طويلة في اليوم، في صيف لاهب بعد أن صرف عليها المليارات في حكومات متعاقبة، ويقارنها بتجربة اليابان مثلا بعد هزيمتها في الحرب، وكيف اصبحت تتصدر العالم بالتكنولوجيا والاتصالات، وتحصل منها على أضعاف أضعاف ثروة البترول في دول كثيرة.
هذه الارقام تحضر في الذهن عندما (يسمع سامع) أن العراق أصدر موازنة تعد هي الأضخم في تاريخه.. ويذهب بخياله أبعد إلى الانجاز الذي يناسب هذا الرقم الكبير فيعتقد (جازما) ان الحكومة التي ستتولى تنفيذ مفردات هذه الموازنة، ستكون الاكبر في نسبة الانجاز الذي قد يصل إلى حد الاعجاز على حكومات العراق منذ التاسيس وإلى اليوم، وستأخذ قصب السبق في رفع ما كان يئن تحت وطئة ثقله المواطن من أمور اقتصادية وخدمية واجتماعية، عصية على الحل على مدى تلك السنوات، وتأتي الكهرباء في مقدمتها لتساعدها على تشغيل المعامل وتوفير فرص عمل للعاطل ومورد للانسان على هذه الارض..هكذا يقول المنطق.. أما الواقع فينطق بلسانه ويقول الحقيقة كما هي دون مغالاة.
اسئلة كثيرة يفترض أن نجد لها إجابتها على الأرض لتأتي الموازنة اُكلها.. وعندها تكون موازنة تنمية وبناء وليست ترضية سياسية على حد وصف الخبير، وتكون تلك الأرقام الصماء قد تحولت من بنود على الورق إلى حقائق عبرت عن نفسها بنفسها بمشاريع ناطقة على الأرض، تحكي قصة بناء قائدها الانسان ورائدها البناء، وعندها يعرف المواطن أين ذهبت أمواله في شفافية دون الحاجة إلى رقيب أو وسيط أو أحد يتكلم نيابة عنها.