أ. د. هاشم حسن التميمي
تعد أساليب نقل الأشخاص والبضائع من مظاهر تطور البلاد أو تراجعها عن ركب الحداثة لعقود أو قرون.
والغريب أن حتى أكثر البلدان ضعفاً في الموارد الطبيعية تمكنت من تحقيق حلم شعوبها في حركة نقل سريعة وزهيدة الثمن تسهم في تنشيط حركة الاقتصاد وتحسن من نفسية المواطن المتوجه لوظيفته أو جامعته أو لقضاء شؤون أسرته وتنقذه من الاختناقات المرورية في ظل درجات حرارة تفقد وعي الإنسان وتبدد صبره وتنهي أمله في حياة حرة كريمة. تمكنت مصر منذ سنوات من تشغيل قطارات المترو السريعة التي تضاهي قطارات باريس وتكاد أغلب دول العالم أن تنجح في مد هذه الشبكات على امتداد أرضها الوطنية واستطاعت العام الماضي حتى بنغلاديش الفقيرة أن تجرب المترو..
للأسف ما زالت بغداد تختنق ويحلم أهلها بمترو يختصر الوقت والمسافات ويركض تحت الأرض بعيداً عن حر الشمس وكاد أن يتحقق هذا الحلم فقد أنجزت مطلع ثمانينيات القرن الماضي التصاميم الأساسية لمشروع عملاق تنفذه شركات عالمية، لكن طبول الحرب طغت على أصوات القطارات واستبدلتها بانفلاقات القنابل وأزيز الرصاص وأنفاق السواتر الحربية وترك شبابنا المدن بعد تسويقهم لساحات المعارك وصار كل شيء من أجل المعركة.
واستبشر الناس خيراً بتغيير النظام 2003 وصدقوا سيل التصريحات عن عراق ناطحات السحاب والنقل السريع براً وجواً وبحراً واستبدال فكرة المترو الأرضي بمترو معلق مثل متروات اليابان وأصبح ذلك دعاية انتخابية لمحافظة بغداد ومجالسها التي حكمت أو تعلقت والتي ستأتي بعدها وما زلنا ننتظر المترو واجراءات تطوير النقل العام الذي يختصر ملايين السيارات ويوفر الوقت ويقلص التلوث ويحد من الاختناقات المرورية.
وبصراحة تعاني الكراجات خاصة النهضة وعلاوي الحلة والكراجات الفرعية من فوضى غريبة ومنافسات مريبة فأغلب المركبات تهجر الكراجات والمواطن اعتاد على هذه الفوضى وتناغم معها وحتى الأجهزة المكلفة بضبط الشارع اندمجت مع الحالة. وتشهد شوارعنا ازدواجية غريبة، فتسير رباعيات هي الأحدث عالمياً تجاورها ستوتات وتكاتك وتظهر عربات تجرها الحمير أو الخيول والماطورات والبايسكلات وكلها تركض ويدردم أصحابها ويتبادلون الشتائم والأغلبية وصلوا لحالة اليأس ويرددون (ما اصيرنه جاره تره كله خربانه)، وأغرب ما نشاهده هذه الأيام مفارز شركة إدارة النقل التي كرست عملها لأخذ اتاوات من أصحاب المركبات من خلال مطاردة مع أصحاب المركبات ويقوم هؤلاء ومع بدايات الدوام باختيار مسالك بديلة عن الخط الرئيس تهرباً من الدفع ويتسبب ذلك بتأخر كبير وازعاج للمواطن وهذه العملية تحصل قرب كراج العلاوي والنهضة وباقي المناطق ومقابل الدفع السماح للسائق بمضاعفة الأجور. وهذا أمر عجيب يصح عليه القول المأثور (حاميها حراميها) فمتى تصبح عندنا هيئة حقيقية لتنظيم النقل بدلاً من تنظيم الايرادات والاتاوات؟.
وتشير الاحصائيات الرسمية السنوية للمرور العامة وتتحدث عن أكثر من ثلاثة آلاف قتيل وضعفها من الجرحى نتيجة حوادث المرور في الطرق الخارجية والداخلية وهي الأعلى عالمياً حتى أطلق الناس على بعض الطرق طريق الموت أو الجحيم.