شكر حاجم الصالحي
ما من مرة التقي فيها جمع الأصدقاء، إلا وكان الشأن الثقافي محور نقاشاتهم، ومثار اهتماماتهم، ومن أجمل تلك اللقاءات المقترحات التي تهدف إلى الارتقاء بالواقع الذي يعاني منه إنتاج الكتاب العراقي وتسويقه وما ينتج عن ذلك من مشكلات ومعوقات تقف في مقدمتها غياب الجهة القطاعية التي تتولى توزيع الكتاب والتعريف به، كما كانت تفعله الدار الوطنية للتوزيع والاعلان والنشر التي ألغيت في ثمانينات القرن العشرين، وما كان لهذه السطور أن تأخذ هذا الخير لولا الحوار الذي جرى بين المجتمعين في اللقاء الأخير بصدد صدور بعض الكتب بطبعات متعددة دون ضرورة لذلك. وقد أشار أحد الحاضرين ومن أصحاب دون النشر إلى أن بعض (المؤلفين) يتفق على طبع ثلاثين نسخة فقط من كتابه، ولكنه يطلب طبع عشرين أخرى منه على أن يدوّن على غلافه عبارة مراوغة هي (طبعة ثانية)) ويردفها بعشرين نسخة تالية، ليقول عنها (طبعة ثالثة) والحصيلة الكلية للطبعات الثلاث ما زالت راقدة في أدراج دار النشر، باستثناء عشر نسخ تولى مؤلفها تقديمها هدايا مجانية لأصدقاء مقربين لا يقرؤون ولا شأن لهم بالكتاب سوى اعتباره متمماً لديكور بوفية غرفة الاستقبال إن وجدت ومن هنا تبدأ المعضلة.. هدر منظم في الوقت والورق والجهد والمال، وحتى في المساحة الخزانية للبيت ولدار النشر المعنية.
اذاً نحن إزاء إشكالية تتعلق بالحاضر الثقافي وبأخلاقياته، فليست الغاية من (التأليف) تسويد الصفحات التي لا تجد من يقرأها، وهي في ذات الوقت ليست للمباهاة والتفاخر، إذ لا قيمة معرفية لهذا لكم الهائل من الإصدارات التي أصبحت (عشرة بألف) مطروحة على الأرصفة المتناثرة في شارع المتنبي ومكتباته بعد غياب للرقابة على المضامين ذات المحتويات الهابطة التي تسيء إلى الذوق العام وتسهم لو قرأت!! بتردي المنظومة الاخلاقية وشيوع الأفكار المتخلفة.
إن مراجعة مسؤولة ذات وضوح فكري سليم يتوجب على جميع المعنيين وأهل الشأن التداعي لدراسة هذا الواقع الذي لا يسر الصديق، وعلينا النهوض بوعي لمعالجة هذا التردي الذي أصبح سمة لمن لا يمتلك الموهبة والمعرفة والحرص على حاضر ومستقبل النشء الجديد، ولكي نوقف هذا الانهيار يتوجب على منظماتنا واتحاداتنا الثقافية والفنية الاسراع في عقد اللقاءات المثمرة لدراسة الوضع والخروج بأفضل الحلول الناجحة لردم الهوة بين (المؤلف الدمج) والقارئ المنتج، وإلا فنحن لن نحصد غير الخراب وكثرة الأدعياء وحملة الدالات الفخرية والشهادات المزيفة، وبالتالي نواجه موجات من أصحاب الطبعات المتعددة وهم يقفون طوابير مفخخة على أبواب اتحاد الأدباء والكتاب في العراق لينالوا حصتهم من هويته وشرف الانتماء إليه.. ولا بد لأصحاب دور النشر من موقف حازم إزاء الاستهانة بعقول القراء الرضوخ لرغبات (المؤلفين) بتلبية طلباتهم المخجلة بطبعات لا تزيد على عشرين نسخة في كل مرة، فليس بالمال وحده يحيا الإنسان.