لماذا لم يعد الأديب مشهوراً رغم تعدد وسائل الاتصال؟

ثقافة 2023/06/25
...

  علي لفتة سعيد 

قبل عقود كانت الأسماء المبدعة أكثر شهرة في البلدان العربيّة وحتى بلدان المهجر رغم عدم وجود كل ما هو متوفر الآن من إمكانيات تقنية وفضائيات ومواقع تواصل اجتماعي وعدد كبير من المجلات والصحف والمواقع الإلكترونية. وكان الاسم يطوف بين القرّاء والأدباء وحتى المؤسسات الثقافية من هذا البلد أو ذاك.. فمثلا كان الشاعر أحمد شوقي معروفا وكذلك الجواهري والسيّاب والمنفلوطي ويوسف ادريس وايليا ابو ماضي ومظفر النواب وابو القاسم الشابي وغيرهم الكثير، وكان بيت شعر واحد إذا قيل في تونس يسمع في بغداد وإذا ما طرح أحدهم رأيا نقديا في المغرب تسمعه سوريا، وإذا ما كان كاتب كبير في مصر طبع رواية يقرأ في كل البلدان العربية. فما هي الأسباب التي كانت تجعل الاسم متداولا وماذا حصل الآن أمام كل هذه الإمكانيات المتاحة ولا تكون هناك شهرة للأسماء كما في السابق؟، هل نحن في عصر الفقاعة أو كان العدد قليلا والناس بحاجةٍ الى سماع الأدب وقراءته، والآن أصبح العدد كبيرا وامتلأت الكراسي ولم يعد هناك مكان للاستماع لتخمة في الأسماء؟

عابر للقارات

أستاذ النقد في جامعة قسنطينة الجزائرية الناقد يوسف وغليسي يجد أن هذه هي الحقيقة وهي حقيقة عصريَّة مؤلمة لا سبيل إلى إنكارها مع الأسف الشديد.. ويضيف أنّه يستحضر الآن ما قاله العقاد في مطلع عشرينيات القرن العشرين، وهو يدبّج مقدّمة (غربال) ميخائيل نعيمة، مبتهجا بكتاب تخطر معانيه في نيويورك تحت سماء القارة الأمريكية، وتُكتب مقدمته في أسوان تحت سماء القارة الأفريقية، فلقد كان الكتاب في ذلك الزمن التواصلي البدائي قياسا إلى زماننا هذا صاروخا عابرا للقارات.. ويرى ان ما يحصل اليوم أنه أنشر كتابا، يفوز بجائزة عربية كبيرة، ولا يسمع به حتى زميلي في هيئة التدريس داخل الجامعة الواحدة.

ويوضح ان السحر انقلب على الساحر في هذا الزمان، وتحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي إلى هرج ومرج، فاختلط الحابل بالنابل. مبينا ان السبب يعود الى أن الكل يكتب والكلّ لا يكاد يقرأ، الكل يريد أن يتكلّم والكلّ يكاد لا يريد أن يصغي إلى غيره، فصار المتكلّم لا يعرف إلا نفسه ولا يعرف حتى أسماء من يجاورونه في الحي السكني الإبداعي الواحد.. ويذهب الى المستوى الشخصي فيقول، كنتُ منذ ربع قرن أزعم أنني أعرف جميع شعراء بلادي المعاصرين، والآن صرتُ لا أعرف إلا نصف العدد في أحسن الأحوال، ويذهب بعيدا أنه مجرّد معرفتنا بالأسماء صارت مكسبًا كبيرًا، أما المعرفة بنصوص تلك الأسماء فيبدو أنها حلمٌ من الأحلام، ويزداد الحلم تعذّرًا واستعصاء على التحقيق كلّما خرجنا من إقليمنا المحلي إلى الأقاليم الأخرى التي تشكّل الأمة الأدبية العربية الواحدة. ويضيف وغليسي انه قرأتُ مرّة أنّ إحدى جرائد الزمن الجميل قد سارعت إلى إصدار عدد مسائيٍّ من جريدتها الصباحية لمجرّد الفوز بسبق نشر آخر قصائد شاعر كبير من شعراء ذلك الزمان، أمّا اليوم فنحن في عصر التضخّم؛ تكاثرت الأسماء وتضخّمت وفقدت قيمتها وتُنوسيَت.. تناقصت تدريجيا القدرة التأثيرية للأدباء في أوساطهم الثقافية والاجتماعية المحلية، فضلا عن الأوساط الدولية.. ويعطي وغليسي مثلا أنه كان العلامة الجزائري الشيخ البشير الإبراهيمي يقول: "إذا كثُر الأدباء قلّ الأدب"، ويبدو أنّ عصرنا هذا هو تصديق مثالي لمقولته، فلا عجب أن يغدو الوضع كذلك، وأن يصبح الأديب الحقيقي في مجتمعه كصالح في ثمود؛ غريبا تماما كالمتنبي في أرض نخلة.. ويشير الى ان "الأدباء" الكثيرون المزيّفون فهم -حتما- في غيّهم يعمهون، وسيستيقظون يوما على فجيعة اللايكات الفيسبوكية الآنية التي لا تُسمن ولا تغني من جوع؛ ولا عجب أن يُنكر المعجِب يوما معرفته بسماع اسم المعجَب به، لأنَّ ذلك الإعجاب عادةً ما يحدث تحت تأثير عوامل لحظيَّة لا تثبت في الذاكرة.


أدباء الفقاعة

أما الروائي والشاعر المصري نشأت المصري، فيعد السؤال جوهريًا يدفع ثمنه الوعي العربي الأدبي والثقافي،. فذات يوم ليس ببعيد كان القارئ العربي يهتم بكتابات أدباء يثق في قدراتهم الأدبية مثل نجيب محفوظ والحكيم وطه حسين وفتحي غانم وعبد الحليم عبد الله وإحسان وغيرهم في الرواية وكتابة القصة في مصر على سبيل المثال، وقس على ذلك كتاب القصة في العالم العربي. ويضيف أن كبار الشعراء وحتى الصف الثاني كانت أسماؤهم معروفة للقارئ العربي لأنّهم بالفعل يستحقون، ولأن الذائقة الأدبية العامة استقرت على اختيارهم تدعمهم الدراسات المنهجيّة في الجامعات. كما تعرف عليهم تلامذة المدارس فيما اختاروه لهم في المناهج الدراسيّة. ولن نجد في تلك المناهج القديمة أديبًا لا وزن له، ويبيّن أن مرد ذلك هو الاختيار كان أمينا وحاليا من الهوى، والمسؤولية وتبادل المصالح بما تسبب في اختيار نماذج ضعيفة لأدباء مغمورين أو نالوا شهرةً فقاعيةً كاذبة. ويرى المصري أن النتيجة المنطقيّة هي انصراف التلميذ عن الفنون الأدبيّة ونسيان أسماء الأدباء بسهولة. وهو ما يؤدي بحسب ما يراه الى لجوء التلميذ وطالب الجامعة أيضا إلى نماذج عشوائيّة لأدباء غير معروفين ولا يتوقّف عند كاتب بعينه بحيث يرسخ اسمه في ذاكرته. من ناحية أخرى يرى أن أداء وزارات الثقافة المريض الذي يشجع من لا يستحق، بينما يتغافل عمن يستحق وبذلك يتم إبراز الأعمال الأدبيّة والثقافيّة الضعيفة، التي يتلاشى اثرها في عقول القرّاء. هذا يرتبط بتغلغل المحسوبيّة في المؤسسات الثقافيّة، التي تنمو في مناخ من ضعف المستوى الثقافي وربما الجهل التام بشؤون الثقافة. ويتمدد اثر هذا الهزال الثقافي في اختيار رؤساء بعض هذه المؤسسات مثل لجان المجالس الثقافيّة إلى أن شمل هذا الوهن التنظيمي بعض اللجان المهمة مثل لجنة الشعر. بل تمدد إلى اختيار او انتخاب رؤساء بعض النوادي الأدبية المهمة أما بالعبث في النتائج او بسبب انخفاض الوعي بين الكثير من العاملين والممارسين للعطاء الثقافي فنجد أن بعض رؤساء النوادي والنقابات من دون المستوى أدبيّا وفكريّا وإداريّا بما لا يجعل الذاكرة العامة تأنف من تذكرهم. وتكتمل المهزلة كما يقول بأن ترشح هذه الكيانات الذين يمثلون بلادهم في خارج مصر وهم مجرد نكرات على مستوى الإبداع والمواقف الاجتماعية والسياسة كأنّهم أشباح في وديان الظلام. وكل ذلك يرتبط بحالة غياب الديمقراطية في معظم الدول العربية بما يؤدي إلى منع الأصوات القوية. وتظل الفقاقيع على السطح. وهذا يؤدي كما يعتقد إلى إبحار القارئ العربي في محطات النت، فاقدا البوصلة والهوية. وهذه الصور الشائعة ترتبط بغياب الأسماء المعروفة في مجال القدوة. إذ يقدم لنا الإعلام في معظم الأحوال نماذج انتهازية أو عاطلة من الموهبة لا تحركنا شبرا إلى الأمام.. الأمر أيضا كما يشير المصري الى انه يرتبط بالحالة الاقتصادية التي تؤثر على القوة الشرائيّة. فقلّت كثيرا مبيعات الكتب وكذلك الصحف الكبرى، ومن ثم ضاقت الرقعة التي تظهر فيها الشخصيات اللامعة التي يمكن أن تثبت بأسمائهما وأقوالها في خواطر العامة. 

ومن المؤكد أن النت أصبح مجالا واسعا للتشتيت، لانهمار الشخصيات والمعلومات كل يوم في عيوننا واذاننا.. وهكذا أصبحت شرائح كبيرة من الجمهور حتى المتعلم فريسة للكلمة الهابطة القشرية وللفن الرديء وظهرت اسماء كثيرة مهتزة لا تلبث أن تغيب إلى الأبد، وهذا ما نلمسه بقوة في مجال الغناء وظهور فقاعات متدنية المستوى. والاسماء كثيرة. إذن ظهور الأسماء المحترمة في أماكنها الطبيعية تتطلب بالضرورة مزيدا من الحرية للكاتب والقارئ معا. 


اختلال  العوامل 

ويضع الناقد العراقي اسماعيل ابراهيم عبد سؤالا مفاده حين يضعه الأديب أمام نفسه وهو محرج عندما يتساءل: ما الذي سيجعلني مشهوراً مثل الأدباء الذين سبقونا؟ ويجيب أن الحقيقة توجد في اختلال عناصر الشهرة. ويضع نقاط عدة لهذه الاسباب بكونها جاءت على إثرها.. أولها: الجو العالمي العام، فبعد العام 2000 بدأ العالم يدخل مرحلة ما بعد الحداثة الرديفة للبراغماتية السوقية، وغزت منافد النشر من الكتب والمواقع الالكترونية ثقافةُ البيت والسلوك الاجتماعي بشكله المظهري، فصار أي شيء يمكنه ان يحقق ربحاً، ويحافظ على بعض مظاهر الجمال ـ ذي الذوق الشعبي ـ يمكنه ان يشكل ظاهرة ثقافية، ترعاها المؤسسات الربحية في العالم.. ثانيها:  سهولة النشر، إذ أسهم هذا العامل بفعل مدمر للثقافة والفكر والأدب والفنون والمعارف كلها بلا استثناء، فقد انحسرت مساحة عرض الإنتاج الجاد الغزير الى أضيق ما يمكن، كونها غير قادرة على مقاومة السيل الانتاجي الكثير الساذج جداً جداً، غير المبدع وغير النافع، بل المضر. ثالثها: منافذ قنوات التواصل الاجتماعي، وقد أسهمت بشكل مباشر بتسويق الرديء من الانتاج الأدبي والمعرفي، ففيها حرية كبيرة للانتشار، وليس فيها قيم ولا اشتراطات؛ لا فنية ولا معرفية ولا أخلاقية، وهو ما يلائم الذوق السوقي العام عند الصبية والشباب وأشباه المثقفين، ويتيح لذوي المواهب الضئيلة أن ينتشروا مثل النمل ويعزلوا ـ من ساحة عرض الجمال ـ كلّ إبداع رصين ومحترم. 

ويضع الناقد عبد سببا رابعا وهو العامل الذاتي، وثمة مشكلة ذاتية عند المبدع الأصيل، تلك هي الاعتداد بالنفس بشكل نرجسي. هذا العامل لم ينجُ منه أي مبدع، وموقف المنتج المعتدُّ بنفسه وتاريخه ومبادئه، سيبعدونه عن النشر في المواقع الالكترونية لأنه يستصغر أهميتها وقد يحتقر دورها في صنع نجوم الشهرة، مع أن ذلك واضح جداً. بمعنى أنه حتى منافذ النشر الرصينة تحولت تدريجياً الى مواقع الكترونية. 

وخامسها: النشر المجاني، إذ يعتقد أن النشر بلا مقابل جعل الكثير من المبدعين يحجمون عن النشر أو الظهور لإحساسهم بالغبن من كون أعمالهم المضنية المهمة بلا مقابل، وهو ما أتاح الفرصة لتسيّد قليلي المواهب للمشهد الادبي. فيما كان سادسها هي الجوائز الأدبية بحسب قوله لكونها في الحقيقة هي فضائح أدبية، إذ انها صارت مبوبة سلفاً لأغراض سياسية شبه معلنة، لذا فمن يريد الشهرة الملتوية سيخوض هذا المعترك، بينما العامل هذا نفسه قد أسهم بتغييب الكثير من الأدباء الجادين. اما السابعة منها فهي تبدّل الذائقة، وهو عامل أزلي يحجب الكثير من الأدباء عن التواصل والتعامل مع الذائقة الجديدة. 


 انكسار الواقع

الاديب العراقي محمد سعيد جبر الحسناوي يرى أن واقع المشهد الثقافي بعموميّته في الوطن العربي يعاني من انكسار وتراجع عمّا كانت عليه الثقافة قبل سنوات، ذلك لما تعاني الحكومات من ترهل في منظومتها الثقافية، فدور الدولة غائب وبعيد كل البعد عن المشهد الثقافي فضلا عن انعدام الرقابة على المنشورات، وابتعاد الإعلام (الفضائيات) عن متابعة اللغة ورصانتها، بل وعزوفه عنها وانجراره إلى اللهجة الشعبية حتى في الإعلانات التي يعرضها، وكذلك عدم نقل الفضائيات لوقائع المؤتمرات الأدبية والاكتفاء بنقل الخبر فقط، فضلا عن عدم نقل الندوات الثقافية وقصائد الشعراء ليستمع لها الجمهور والجمهور مهما كانت ثقافته يتأثر تأثيرًا كبيرًا بما يسمع وكأن الفضائيات تستكمل ما تقدمه وسائل التواصل من ترهل وكفر بحق الأدب بصورة عامة فهي بوابة لكل من هب ودب للدخول إلى ميدان الثقافة وكلهم يحمل ألقابا ما أنزل الله بها من سلطان، كل هذا ونحن لم نبلغ بعد بداية مشروع الذكاء الاصطناعي، فإذا بلغناه لا بد أن نقرأ السلام على المشهد الثقافي في العراق والوطن العربي. ويذهب الحسناوي بعيدا بقوله إنه من خلال كل ما تقدّم أقول إن الحكومات هي المسؤولة عن موت الأدب وانحسار الثقافة وتدمير الذائقة العامة للناس (إنما الناس بالملوك) فهل سعت وزارة الثقافة لتحمل مسؤوليتها الثقافية بصورة رصينة، هل رأينا مسؤولا يحضر المؤتمرات الأدبية أو يتقن اللغة العربية حين يتحدث على المنصة، فهذا هو زمن الضياع الثقافي والترهل والانحلال.     


تغير الوضع

الروائي والناقد اليمني ثابت محمد القوطاري يعد قضية شهرة الأديب والمثقف (الروائي، والقاص، والشاعر، والناقد...إلخ) وذيوع صيته، بين الماضي والحاضر قضية شائكة، ويرى أنها أي القضية صنعتها متغيّرات كثيرة، اجتماعية وسياسية، وثقافية، وليس من السهل الخوض في غمار الحديث هنا عن هذه القضية من دون تتبع لحركة التاريخ الثقافي والأدبي. 

ويوضح أنه في الماضي وبالرغم من عدم وجود، وسائل نشر متنوعة ومتطورة كما هو الحال اليوم، إلّا أن شخصية الأديب تكاد تكون داخلة في كل بيتٍ عربي، ومعروفةً بالضرورة لدى شريحة واسعة من المجتمع، وبخاصة أن المجتمع حينها على ارتباط كبير بالكتاب، وعلى التصاق قوي بالقراءة والمطالعة، أسهمت في ذلك، سياسة التعليم في المدارس والمعاهد والجامعات، كما أن الصالونات الأدبية، والمنتديات الثقافية، والدوريات التي كانت تطرق المنازل حينها أسهمت في تكوين بنية ثقافية قوية، ووعي اجتماعي كبير، التصقت جميعها بشخصيات عملاقة في الأدب العربي. ويرى أن الوضع اليوم تغير بالرغم من وجود الفضاء المفتوح، ووسائل التواصل الاجتماعي التي قرّبت بين الشعوب والمجتمعات، نجدها قد صدرت ثقافة الوهم والتفاهات على حساب الثقافة الحقيقية، ساعدها في ذلك السلطة السياسية وسياسة التعليم في المجتمعات العربية، والتي همّشت المثقف، وغيّبت الأديب والكاتب، فنحن نشهد موت الأديب في هذا الفضاء الواسع (وسائل التواصل الاجتماعي)، وفي المقابل نشهد ميلاد كثير من الشخصيات التي تصدر ثقافة الوهم والتفاهة، بل وتحصد مشاهدات مليونية. ويضيف ايضا سببا وهو أن علاقة الفرد العربي حاليا بالكتاب والقراءة أصبحت علاقة باردة وضعيفة، على حساب علاقته بوسائل التواصل الاجتماعي) التي يقضي ساعات طويلة في تصفح التفاهة، والجري خلف الوهم، أسهمت هذه الوسائل في ظهور كثير من الأدعياء على حساب شخصيات أدبية كبيرة، كانت جديرة بالحضور والاحتفاء، والانتشار.


التنوير والتراجع

الروائي المصري أحمد ربيع يشير الى أن الأسباب قد تتعدّد، لكن أوّلها في رأيي أننا نشهد تراجعًا في شتى المناحي الثقافية والسياسية، فبعد أن كانت القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ، صارت الطباعة في كل مكان ولكن تراجعت أعداد القراء الحقيقيين في الوطن العربي. ويشير الى انه في القرن الماضي، كانت هموم وآمال وإحباطات العرب واحدة، لا تختلف من الشرق إلى الغرب، فالكل يحارب المحتل الأجنبي أيًا كانت جنسيته. 

لذا كانت الشخصيات والأقلام الثورية معروفة لدى الجميع لأنها تنطق بلسانهم، وصار الأدباء يتنافسون فيما بينهم على حمل راية التنوير. ويمضي بقوله إن ذلك انعكس الأمر على الزعامات السياسية، فأصبح جمال عبد الناصر المصري رمزًا للثورة والنضال ضد المحتل في جميع الدول العربية، وحتى الإفريقية. أما اليوم يرى ربيع فالأمر لا يعود إلى بضع سنين فحسب، فقد تزايدت النعرات القومية، وأصبحت كل دولة تزهو بمثقفيها ولا تأبه لمثقفي الدول الأخرى، بل وأحيانًا ما تتم التفرقة بين أدباء العاصمة وأدباء الأقاليم في الدولة نفسها، فما بالك بما وراء السطور في الوطن العربي الأكبر. ويضع سببا آخر وهو لا يمكن انكار أن وسائل التواصل الحديثة التي تسرق القارئ من القراءة الجادة والحقيقية، وتستحوذ على الوقت الذي كان مخصصاً لهذه العادة. 

هذه الوسائل لها دور كبير في تشتت جمهور القرّاء الذي قل وتفتتهم أكثر ما هم، حدَّ أن الشباب صار يتخيل أن هناك مصادر أخرى للحصول على الخبرة سواء عن طريق الفيديوهات أو السماع على البود كاست وخلافه .من ناحية أخرى يقول ربيع إن عددا كبيرا من المثقفين العرب لم يجيدوا استخدام هذه المواقع ولا أدركوا أنها فرصة لهم لكي يكونوا أقرب إلى القارئ ولكي يتواصلوا مع جمهور عريض من روّادها واكتفوا بنقدها والقاء اللوم عليها في حين أن التغيير لن يحدث من دون انخراط المثقفين في تلك الساحة بدلا من الانسحاب والانتقاد ومن دون مزاحمة المتسلّطين عليها من السطحيين الذين بات الشباب يرونهم رمزا للنجاح. يجب أن يدرك المثقفون أن هناك تحولا كبيرا شهده المجتمع". حيث أن طبيعة القراءة نفسها اختلفت، لم تعد كُتبا ولا حتى مقالات طويلة ولا دسمة في عصر الصورة و"التريند".