آدا ليمون.. حريَّة الشعر وقوة التسمية

ثقافة 2023/06/25
...

  ترجمة: محمد تركي النصار 

قصيدة الشاعرة الأميركية، آدا ليمون، (في مديح الغموض) ستطير إلى قمر المشتري المعروف باسم "أوروبا" ضمن مهمة "أوروبا - كليبر" التابعة لوكالة الفضاء ناسا. تستخدم الشاعرة في قصيدتها "الماء" كتورية رابطة الأرض بقمر أوروبا، خاصة وأن قشرة جليدية تحيط بهذا القمر التابع للمشتري.  وتكتب ليمون التي حصلت على لقب شاعرة الولايات المتحدة الأمريكية، في عام 2022، في هذه القصيدة معبرة: (نحن مخلوقات برهبة دائمة، لدينا فضول للجمال).

مضيفة: (ليس الظلام الذي يوحدنا.. ليست المسافة الباردة في الفضاء، ولكن قربان الماء في كل قطرة مطر.. أيها القمر الثاني.. نحن أيضا خلقنا من المياه والبحار الشاسعة والغريبة)".

وستقوم وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" بنقش قصيدة "في مديح الغموض: قصيدة لأوروبا" بخط يد الشاعرة آدا ليمون على المركبة الفضائية التي ستنطلق في تشرين الأول عام 2024.

آدا ليمون شاعرة تجمع وتوحد.. هكذا وصفتها مديرة مكتبة الكونغرس كارلا هايدن عند اختيارها لمنصب شاعرة الولايات المتحدة الامريكية. ومن وجهة نظرالعديد ممن يتابعون مشهد الشعر الأمريكي المتنوع فإن الشاعر الذي يجمع ويوحد هو الأكثر ملاءمة لشغل هذا الموقع، وقد شغل هذا المنصب من قبل الشعراء الأبرز في اميركا مثل اليزابيث بيشوب، وليم كارلوس وليامز، غويندولين بروكس وبيلي كولينز، روبرت بلاي، ميروين، تشارلس سيميك وآخرين.

  تقول ليمون إن قراءتها لقصيدة (فن وحيد) للشاعرة بيشوب في سن الخامسة عشر هو الذي أيقظ حبها للشعر.

آدا ليمون هي الشاعرة الاولى من أصول مكسيكية التي يتم اختيارها لهذا المنصب، وعدد قليل من الشاعرات حُزْنَ على هذا اللقب وعدد أقل ينحدرن من أصول ملونة، وبالنسبة لليمون فإنها تكتب عن الشعر والهوية بوصفهما ممرين لإمكانات واحتمالات عديدة أعمق.

وعلى مدى دواوينها السبعة التي أصدرتها، يبرز صوت الشاعرة واضحاً قوياً ومميزاً، وحتى عناوينها لافتة وتجذب الانتباه.

أترجم هنا جزءا من حوار أجرته مع آدا ليمون الكاتبة والمحررة المعروفة لورين ليبلانك، بعد صدور ديوانها (الحمل) الذي أثار الكثير من الأسئلة وجلب شهرة واسعة للشاعرة وقد نشر الحوار في موقع (بمب):   


تعبر قصائد آدا ليمون عن جوهر التفاصيل اليومية في حياتنا وينعكس ذلك في جانب منه من خلال سعيها لتحقيق الخصوبة معترفة (لا أعرف كيف يمكنني أن أتحمل هذه الحقيقة لذلك فأنا أقتلها ساحبة أجنحتها الفظيعة إلى الأسفل/ في حال لن يصدقني أحد فيما بعد).

(الحمل) مجموعة شعرية تضج بصخب الزمن العسير، وتكمن قوة ليمون العنيدة في التعبير عن الأسى والضياع وفي قدرتها على التجاوز مستنيرة بحبها للجمال.

  لورين ليبلانك: تفتتحين مجموعتك الشعرية (الحمل) بقصيدة تتحدث عن رغبة حواء لتحقيق فعل أن تسمي الأشياء، وبهذا السعي الصامت لتحقيق التسمية تسألين القارئ بشكل مباشر ليختبر شغفه بأن يكون مرئيا، بهذا المعنى، هل الشعر هو فعل تسمية بالنسبة لك؟

آدا ليمون: أحب هذا السؤال، لأنني في الحقيقة ممسوسة بتسمية الأشياء، فاستخدام الكلمات للوصول في المآل الاخير إلى اللامرئي هو جوهريا بالنسبة للشاعر المهمة الأصعب، ولكن هناك أيضا تفاصيل معقدة تحيط بالموضوع، أليس كذلك؟

فمن أكون أنا لأسمي أي شيء؟ وبأي سلطة؟ أليس العالم هو ما يمنح الفرصة لتسميتي، ومع ذلك، أبذل جهدي لاستخدام مهاراتي اللغوية البسيطة لتقديم شيء للعالم.

لورين ليبلانك: بشكل عام يتطلب الشعر دقة لغوية وإخلاصا للشكل، ما الذي جذبك للشعر، وما الذي يجعل الشعر مختلفا عن السيرة السردية والمقالة والرواية، هل هناك نزوع روحي لا يمكن تحقيق غاياته الا بالغوص عميقا في مكان آخر؟

 آدا ليمون: أعشق الشعر لأسباب عديدة، لكن أحد أهم الأسباب الجوهرية هو أن الشعر يمثل الشكل الفني الكتابي الإبداعي الوحيد الذي يؤسس إيقاعا داخله، إنه يجعلك تتنفس، وهو ليس يسمح للصمت فقط، إنه يستوجبه حتما، فنحن ندخل إلى القصيدة بأنفاسنا، وإيقاعنا الخاص، وبالنسبة لي، الشعر أيضا يعنى بالوحدات البنائية، وتبدأ هذه الوحدات بالمقطع والعبارة والبيت، إنه يخاطب الاذن كما العين وهو عالم صور وسرد مثلما هو معني بالإيقاع والتقطيع الصوتي، وليس من شكل فني آخر يمتلك هذا الخليط من الفوضى وضبط النظام، أحب كتابة المقالات، واكتب مقاطع سرد بين حين وآخر، لكن موسيقية الشعر وايقاعاته وسحر الدقة في البناء هو ما ينتصر في المآل الأخير.

لورين ليبلانك: هناك عنصر الحرية لإزاحة الغطاء عن انضباط معروف بقيوده، هل الشعر، يساعدك في تحرير ذهنك أم أنه يزيده تعقيدا؟

آدا ليمون: أشعر بالحرية التامة عندما أكتب قصيدة، هناك مقولة لسي. دي رايت يقول فيها إنّ وظيفة الشعر هي رصد مناطق معينة وتحريرها بالافصاح عنها، وهناك الكثير مما نصادفه يوميا، الذهاب إلى دائرة البريد والابتسام بوجه الآلام والمعاناة البشرية المألوفة، وبينما تشتري وجبة طعام مثلا تتوقف للتمتع بمنظر الريح وهي تهفهف في الشارع، نحن نشغل أنفسنا بعقد صغيرة من خيوط مغبرة في معظم الأيام، وما يميز القصائد أنها تمنحنا القدرة على رؤية الجمال في تفاصيل الحياة اليومية وشعورا بالبهجة والانتعاش، لذلك فالشعر بطريقة ما يعقد ويبسط الامور في آن معا، يعقد لأنَّ الحياة صعبة وفوضوية ويفترض أن تكون بسيطة لأننا سنموت جميعا فالأجدى أن نغتنم اللحظة لخلق شيء ما يدوم.

 لورين ليبلانك: معظم قصائد ديوان (الحمل) تعبر عن التفاصيل اليومية وحالات الفقدان، ففي احدى القصائد ترصدين حيوانات نافقة في الطريق وأنت متوجهة إلى عيادة معالجة الخصوبة الأمر الذي يجعلك تتساءلين، ماذا لو تسبب الحمل بطفل بالحزن والفقدان، هل الشعر هو الوجه الآخر لهذا الحزن العميق، وكيف لنا أن نحتمل هذا الأسى الشديد ونعيش مع مشكلات ربما لا نجد لها حلولا للأبد؟

  آدا ليمون: أعتقد أن الشعر هو عالم الأسى، لكنه أيضا عالم ينقل الأسى إلى مكان ما بما يساعدك على التخفيف من وطأته على جسدك، وكلما وضعت حزنا أكثر في قصيدتي ساعدني ذلك على الشعور بالحرية في العالم لأنني سميته، تحدثت عنه، ورميته خارجا في الفضاء، كل واحد منا لديه حزنه الذي يحمله، وأحيانا تنتابك حالات توتر وكآبة كأنك تتوقع حزنا على وشك أن يجتاحك.

 لورين ليبلانك: تكتبين عن رغبتك بالحمل، وهو موضوع يتحاشى الكثيرون الحديث عنه، الولادة والموت معروفان لكنهما أيضا محاطان بالغموض، ما الذي تعنيه لك الكتابة عن هذين الموضوعين اللذين يتم تحملهما عادة بصمت؟

وهل شعرت في لحظة معينة بأنك مجبرة على الحمل، أن تحملي طفلا؟

  آدا ليمون: نعم كنت مجبرة تماما، لم أستطع تحمل ذلك الجنون داخل عقلي، وجسدي، والذي صدمني أكثر أنني أعرف أصدقاء كثيرين خضعوا أيضا لعلاج الخصوبة من دون أن يتحدثوا عن الموضوع، وهو أمر مهم بالنسبة لي مع أنني أتفهم أنه موضوع شخصي، لكن التجربة كانت سريالية بالنسبة لي، وبقيت أفكر: لماذا لا نتحدث عن هذا الموضوع على الأقل في ما بيننا، كنت حزينة ومحبطة من الطريقة التي عليَّ أن أعالج فيها جسدي، عندما اعتقدت بأنني قد اصبح حاملا مقابل الطريقة التي أعامل جسدي عندما لا يتحقق هذا الأمر، ولوهلة انتابتني مشاعر ساحرة عندما اعتقدت بأنني حامل بطفل، وبأنني قوية، ثم انتابني احساس بأنني قد أصبح ضعيفة وخاوية، وقد سبب هذا لي إرباكا، هل كان شعوري صادقا أم إن الأمر متعلق بالطريقة التي 

تم تلقيني لأن أشعر بها، حتى الآن 

لست أدري، وهنا تبرز أهمية الكتابة التي تساعدني على استبطان هذه المشاعر.