ميساء الهلالي
منذ بزوغ شمس القرن العشرين برق شعاع نظرية التحرر وتحقيق الذات بين النساء، وانتشرت تلك العدوى تدريجيا حتى طمعت جميع النساء بالتحرر والعمل والاستقلال المادي، بعيدا عن سطوة الرجل، اقتناعا بمبدأ ضمان المستقبل والتسلح ضد عاديات الزمن، حتى جاءت الألفية الثالثة والمرأة كانت قد وصلت إلى ذروة تحقيق الذات، ولم يبق ذات لم تحققه في أي مجال طمعت به، فقاسمت الرجل جميع المناصب، بدءا من الميدان السياسي، ووصولا إلى الميدان الوظيفي ولم تبق أمرأة في بيتها الا ما ندر بعد أن حظيت اغلب النساء بفرصة تحقيق الذات والاستقلال المادي... ولكن المرأة وخاصة في المجتمع العربي، وبعد أن حققت كل ما تصبو اليه وكأنها شعرت أخيرا بالخدعة، التي انطلت عليها وابتعلت الطعم، دون أن تشعر بأنها بسعيها لتحقيق الذات، فقدت جزءا كبيرا من كينونتها الانثوية وعززت طاقة الذكورة فيها.. فهي اليوم المسؤولة عن وضع ميزانية مالية منزلية موفقة، تكفي حتى آخر الشهر بعد أن سلمها الزوج راتبه، عملا بمبدأ حسن إدارتها للأموال وراح يقضي لياليه متسكعا بين المقاهي وتجمعات الأصدقاء، ويظفر بقيلولة الظهيرة في الوقت الذي تعود هي من عملها، لتبدأ دورة عمل آخر في المنزل، فعليها كامرأة عاملة أن توفق بين العمل ومهامها كزوجة وأم، وإلا اتهمت بالتقصير، ليبدأ الزوج رحلة بحث عن أخرى تعيد له المشاعر، التي لم تعد الزوجة قادرة على تقديمها بعد أن أنهكتها دوامة العمل المستمر، وبالتالي فحتى أموالها لا تملك حرية التصرف بها، فهي كامرأة عاملة يجب أن تسهم في مصاريف المنزل والأولاد، حتى وجدت نفسها غير قادرة على توفير مبالغ تخصصها لرفاهيتها الخاصة كشراء الملابس أو السفر وربما الجلوس تحت ايدي ماكيرا ماهرة تعيد لوجهها بعضا من حيويته المفقودة.. أنها تدور في حلقة مفرغة لا تقوى على الخروج منها بعد أن حشرت نفسها فيها راغبة، ولكنها صارت تحلم ببعض الهدوء الذي كانت تنعم به نساء الأمس، عندما كانت المرأة زوجة وأما فقط ،والرجل هو الراعي للمنزل ولها وللاولاد، ولكن عددا كبيرا من رجال اليوم، اختاروا تسليم زمام الأمور إلى النساء والظفر بحياة هادئة، ويأتي الرجل بعد كل هذا ليتهمها بالعصبية والإهمال، وهو لم يحاول حتى مساعدتها والأخذ بيدها..إذاً فقد كان الاستقلال المادي والحرية المزيفة فخين لتجريد المرأة من كينونتها الحقيقية كأنثى، حتى صار لسان حال اغلب النساء العاملات يلهج بالرغبة في ترك العمل والعودة إلى دورها الحقيقي كأنثى فقط.