مكة: عادل حمود
حينما كنَّا في المدرسة الابتدائيَّة انبهرنا بالمعلومة التي تقول إنك إذا ما مزجت ألوان الطيف الشمسي كلها، فإنَّ الناتج سيكون اللون الأبيض. وكم جربنا وكررنا التجربة حتى صارت المعلومة يقيناً ثابتاً في أفكارنا.
اليوم وأنا أتجول في شوارع وأزقة مكة التي يقترب توقيتها رويداً رويداً من مراسيم فريضة الحج، أرى ألواناً متعددة تمتزجُ مع بعضها البعض. أرى ألوان بشرات رجالٍ ونساءٍ يمتدُّ طيفها من الأبيض مروراً بالأحمر والأسود والأحمر وانتهاءً بالأصفر.
كل تلك البشرات تلتقي ببعضها البعض وتمرُّ جنب بعضها البعض سواء في الجوامع أو الأسواق أو الشوارع، لتشرع في أحاديث للتعارف والتقارب فتختلطُ بفعل هذه الأحاديث أنواع الثقافات والأفكار التي تنتهي في نقطة واحدة جامعة هي الإيمان بالله والانتماء إلى الإسلام.
ويتنافس لون البشرة مع لون الثوب وطريقة فصاله ولبسه. فكل شعبٍ له ألوانُ ثيابه الخاصَّة ونوع ملبسه المميز وغطاء رأسه البارز حتى صارت هذه الأشياء علاماتٍ فارقة تميز بها ابن بلدٍ ما عن غيره، بينما تمرُّ بك الجموع في كل لحظة وأنت تسير نحو الحرم المكي.
كل هذا التنوع يختفي تدريجياً بينما تقترب في مشيك من الحرم وتصل إلى الفضاء الواسع المحيط بالبيت العتيق حيث يطوف الحجيج. فمع كل شوطٍ من أشواط الطواف يزداد ذلك الفضاء بياضاً ثم يمتدُّ البياض ليطغى على كل شبرٍ محيطٍ بالكعبة المشرفة.
عند ذاك تبدأ في التساؤل: أين اختفت كل تلك الألوان، وكيف اضمحلت تلك الاختلافات؟ ولن تجد حينها غير جوابٍ واحدٍ هو أنَّ الخالق مزجها من خلال هذه الفريضة فأزال الفوارق ومحا الاختلافات وأبقى اللونَ الأبيض فقط، ذلك اللون الذي يوحي بالنقاء والصفاء والصدق.
كم هي عظيمة شعائر ديننا، فبرغم اختلافاتنا تبقينا تلك الشعائر موحدين وحدة لا يمكن تفتيتها، وحدة تتجلى عظمتها في أنَّ مكان صهرها ومزجها هو بيت الله.