الفهد وعيون المدينةعبد الهادي مهودر

الصفحة الاخيرة 2023/06/26
...

عبد الهادي مهودر

 أثار مشهد هروب (فهد) من بيت مواطن بغدادي، تساؤلات كثيرة عن دوافع تربية الحيوانات المفترسة في المنازل، ومبررات استيرادها، وعن موقف القانون من تربية الحيوانات المفترسة في المناطق السكنية، وعن الوضع الاقتصادي للطبقات الاجتماعية القادرة على شراء النمور والأسود والفهود والذئاب بأسعار وكلف مرتفعة، فتربية هذه الحيوانات تحتاج إلى مساحات واسعة وإلى راتب شهري ومخصصات طعام وعلاج وخطورة، وربما سيارة خاصة وخادم أفريقي متخصص بترويض الفهود الأفريقية وجعلها قادرة على التجوال وعبور الشوارع من المناطق غير المخصصة للعبور أسوة بالمواطنين، كما ظهر في الفيديو الذي ضجَّت به وسائل الإعلام العراقية والعربية والأجنبية، ومثار هذه الدهشة الكونية هو سر تغيّر سلوك الفهد الهارب الذي لم يعد يشبه فهود العالم في سرعتها ووحشيتها، فقد ظهر "فهدنا" هادئاً متبختراً خلال عبوره الشارع ومروره من أمام السيارات على الرغم من السرعة الشديدة التي تتميز بها الفهود، وبدا وكأنه خارج للنزهة أو التفتيش في شوارع المنصور ومنطقة الداوودي وليس هارباً من بيت الطاعة، وحسب قول العارفين بتربية الحيوانات المفترسة فإن مالكيها يُجرون لها عمليات(تحوير) قاسية، ويقتلعون أسنانها وأظافرها لتصبح أقل خطراً على أسرهم الكريمة، وهذا ما يفسّر ظهور هذا الفهد المفترس وكأنه كلب سائب، مثلما تخضع القطط والكلاب إلى عمليات جراحية، من بينها استئصال الرحم لمنع الحمل، ولا ندري ماهي الجدوى والمتعة من هذا التعامل الوحشي المتمثِّل بسلب الحيوانات المفترسة لأسنانها ومخالبها وطبيعتها وبيئتها من أجل امتلاكها والتباهي بها وهي مسلوبة القوة والإرادة؟ وتحت أي عنوان يتم استيراد الحيوانات المفترسة التي توشك على الانقراض؟ وهل تدخل البلاد بموافقات وضوابط وشروط أم تدخل عبر التهريب مثل المخدرات التي تفترس الشباب في الشوارع والمقاهي والمدارس والمجالس؟ ومن هي الجهة التي تمنح إجازة حيازة الحيوانات المتوحشة، التي لا تقل خطورة عن حيازة وحمل السلاح؟.
ثم ماذا نقول لأصحاب المواشي التي تمنع الفرق الصحية تجوالها في المناطق السكنية؟ وماذا نقول عن مطاردة شرطة البيطرة للكلاب السائبة التي ليس لها صاحب ولا مالك ولا ظهر يحميها؟ والأهم ماذا تقول الناس عن مظاهر الثراء الفاحش الذي يكشّر عن أنيابه ويروّض الوحوش ؟ ماذا يقول أصحاب الدخول المحدودة الذين يسكنون أقفاصاً بمساحة خمسين متراً مربعاً ولا يستطيعون تربية دجاجة أليفة في بيوتهم الصغيرة؟.
شكراً لهذا الفهد الهارب الذي أوصل بمسيرته الاحتجاجية الصامتة صرخة استغاثة لمنظمات الدفاع عن حقوق الحيوان، وشكراً لهذا الفهد الذي أثار التساؤلات الحادة في ملف حقوق الإنسان، وكشف المستور والتفاوت الطبقي اللامستور ومخاطره على المستقبل المنظور واللا منظور .