حمزة مصطفى
لا أعرف الأكلات الروسية وبالتالي لا أستطيع أن أحزر طبق القيصر فلاديمير بوتين المفضل.
العارف الوحيد هو يفغيني بريغوجين.
ولأن بريغوجين طباخ ماهر، فقد فضله القيصر على كثير ممن يصنفون بأنهم من حبال مضيف الكرملين.
ومثل زعماء كثيرين يمنحون الرتب والألقاب والأدوار لمن يثقون بهم ثقة شبه مطلقة، فلم يعد يفغيني مجرد طباخ خاص للرئيس، بل صار في ما بعد ذراعه اليمين عندما تنوعت طبخاته وتناثرت عبر الدول والقارات زعيما لمليشيا ارتقت إلى مستوى جيش نظامي.
فمليشيا مثل "فاغنر" تحولت إلى أحد أذرع روسيا شبه الرسمية في سياق الصراعات والحروب المنتشرة في أكثر المناطق سخونة في العالم.
نجحت فاغنر وزعيمها الطباخ السابق في استثمار الدم والسياسة والمال معا في متوالية يصعب تكرارها في جيوش أو مليشيات أو حتى شركات ربحية.
في أوكرانيا باتت فاغنر هي القوة الرئيسة، التي لعبت دورا مهما في الحرب، وصولا إلى معارك باخموت، التي تمكنت من فرض السيطرة عليها بعد قتال شرس كالعادة لقوة مدربة لكنها غير محكومة بتقاليد الحروب التقليدية.
كاد سقوط باخموت في أيدي الروس على يد قوات فاغنر أن يغير مسار الحرب قبل هجوم الربيع الأوكراني المضاد.
وبالرغم من تسرب المزيد من المعلومات بشأن طبيعة ومستوى الخلافات الداخلية في روسيا، وبالذات بين زعيم فاغنر وبين عدد من القادة الروس يتقدمهم وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف، فإنه لم يكن متوقعا أن تبلغ الخلافات إلى المستوى الذي وصلت اليه.
فالرجل الذي يوصف بأنه الذراع اليمين لبوتين لا يمكنه القيام بما قام به لمجرد خلاف مع قائدين عسكريين هما أيضا من أذرع بوتين القوية.
من هذه الزاوية بدا أن ما حصل ولا يزال موضع جدل ونقاش في مختلف الأوساط العالمية، بمثابة مفاجأة من العيار الثقيل، بنيت عليها المزيد من التوقعات والسنياريوهات المتناقضة لجهة مؤيدي بوتين في مقابل الآمال والأحلام الوردية لجهة معارضيه في الداخل وأعدائه في الخارج، وفي مقدمتهم أوكرانيا ومن معها من حلف غربي أميركي أوربي.
كانت السيطرة على روستوف من قبل فاغنر بمثابة طعم بلعه الجميع، ماعدا بوتين وطباخه الماهر.
لعب بريغوجين على حبل مشدود، لكن بتفاصيل لا تزال مجهولة لايعرفها إلا هو وزعيمه الماهر هو الآخر في حياكة المؤامرات كضابط مخابرات سابق، يحتاج إلى صدمة حتى لو كانت على مستوى "طعنة في الظهر" على حد قوله.
ماجرى مسرحية متقنة الأدوار لعب الطعم فيها الطرف الغربي، الذي راهن على خيانة بريغوجين مقابل عرض مالي سخي.
لم تدم اللعبة طويلا.
كل شيء جرى على مسرح مفتوح في نوع من الميلودراما، التي تشبه فيلما هنديا يحتاج فقط إلى بطل منقذ لتبرير عملية الإخراج البوليوودي، فكان الرئيس البيلا روسي الكسندر لوكاشينكو.
بالنسبة للمراقبين كان ظهور لوكاشينكو على المسرح أكبر من حجمه ووزنه الطبيعي والسياسي.
لم يعد أمام زعيم فاغنر المغضوب عليه ظاهرا لساعات بدت طويلة للغرب قصيرة للقيصر، سوى أن يعد الطبخة الأخيرة التي لم يتوقعها المراهنون عليه.
ففي وسط هذه التراجيديا اشتهى بوتين أكلة غريبة تليق بهذه المناسبة هي أقرب شيء إلى الـ.. محروك إصبعه.