هوية ثورة العشرين بعد مئة وثلاثة أعوام

آراء 2023/07/03
...

 د. عبدالله حميد العتابي


تصدت دراسات علمية كثيرة لمؤرخين عراقيين وعرب وأجانب، لجوانب متعددة من ثورة العشرين، بلغت العشرات من الكتب والمئات من البحوث والآلاف من المقالات، واشترك هؤلاء في وصف الحدث والوقائع التي حصلت في العراق في الثلاثين من حزيران عام 1920، إلا أنهم اختلفوا في الرؤى وتحديد المعالجات التاريخية والمنهج المتبع، فلكل واحد منهم له موارده ‏المعرفية وفرضيته المحدودة وسبله في الوصول إلى أهدافه.

‏لكننا لم نجد دراسة تناولت ثورة العشرين والهوية. على الرغم من اختلاف المؤرخين العراقيين والاجانب في تحديد هوية ‏الثورة، فعدها الكثير (مناطقية). 

وأقرَّ البعض أنها (إسلامية). وأكد آخرون أنها ثورة (طبقية).  و(فئوية). 

في الوقت الذي اعتقد البعض أن هذا الحدث لا يتعدى كونه (تمردا) عشائريا ضد الوجود البريطاني. في حين رأى آخرون أن الثورة (شخصانية). وجزم البعض أنها (وطنية). 

وآخر (قومية). خالف كل تلك الآراء مؤرخ عراقي اخفى اسمه تحت عنوان (فراتي) ويحدد هويات الثورة ‏بالقول "للثورة العراقية عناصر تاريخية وقومية ووطنية‏، فلم تدبر بليل ولم تفاجئ العالم على حين غرة، وأنها لم تخنق في مهدها، بل تلتها نتائج خطيرة واعقبتها حوادث كبرى خرجت عن نطاقها الضيق إلى مؤتمرات دولية... لم تحتضنها مدينة واحدة من المدن العراقية، ولا قبيلة واحدة في اريافه، بل أسهمت فيها سائر مدن العراق وأريافه كل ‏حسب إمكانياتها وظروفها"، في حين أكد مترجم عراقي قائلا إن "الدلائل تشير إلى أن الثورة كانت ثورة عقائدية حية، ومبادئ وطنية اعتنقها العراقيون على اختلاف طبقاتهم فثاروا من أجلها، وتناسوا الفروق والاختلافات الطائفية فوقفوا صفا واحدا تجاه العدو المحتل، ونجح مسعاهم فكانت الغلبة لهم في اخر الامر. 

كما كانت ثورة شعبية جماهيرية، اشترك فيها الفلاحون في الريف، والعامة في المدن، فكانوا مادتها ووقود نيرانها المشتعلة، وأسهم فيها الوجهاء والشيوخ ورجال الدين والمثقفون، فأصابهم ما اصابهم من عنت السلطات المحتلة وتدابيرها الزجرية... وقد نشبت في وقت كانت تحصل فيها تحولات خطيرة في حياة الناس ومصائر الشعوب، وكانت وسيلة فعّالة في إدخال قيم جديدة ومفاهيم عصرية جديدة في حياة العراقيين وتطلعاتهم في المستقبل المشرق، بعد أن خرج العراق من حياة القرن التاسع عشر المنطبعة بطباع المفاهيم الاقطاعية واحوالها.

وقد اكون مصيبا اذا ما قلت، إن ثورة العشرين تعد من أبرز الأحداث في تاريخ العراق المعاصر، ولا أجانب الحقيقة اذا ما قلت، إن أحداثها ‏تؤلف مرحلة قائمة بذاتها إلى حد كبير‏، كما أنها تمثل انطلاقة لمرحلة جديدة، لا سيما أن نتائج أحداثها اثرت بشكل واضح في الحياة الفكرية والسياسية، وهي في الوقت نفسه منعطف تاريخي وسياسي واجتماعي بالنسبة للشعب العراقي، وبداية التأسيس للوطنية العراقية، ولعلنا لا نبالغ اذا ما قلنا إنها أهم حدث تاريخي منذ سقوط بغداد على يد المغول في العام 1258، ‏وما تبعه من موجات غزو واحتلال متلاحقة عبر قرون طويلة.