القصور السوريَّة.. أوابد في الذاكرة

منصة 2023/07/03
...

  سريعة سليم حديد

قال عالم الآثار الفرنسي أندريه بارو:" لكل إنسان وطنان: الوطن الأم الذي ولد فيه وسورية." هذا الكلام دليل على أهمية سورية من الناحية التاريخية، فهي تملك حضارة عريقة موغلة في القدم، وتشتهر بالآثارات الفريدة من نوعها كالقلاع والجوامع، والكنائس، والمسارح، والقصور.. القصور التي تفرَّدت بها سورية، وقد شهدت تناقل السلاطين والملوك والحكام عليها، ومراحل تاريخية ما زالت تتباهى بجمالها الأجيال، وتعتز بها حتى الآن.

أهم القصور في سورية *

تمتلك المدن السورية بشكل عام قصوراً تختلف في هندستها المعمارية من مدينة إلى أخرى لكنها تتفق معها في بعض التفاصيل الجمالية والروح التاريخية والنظرة العميقة إلى مراحل مهمة عاشتها المنطقة على الرغم من كل حالات التدمير التي حلت بها لتعود كطائر الفينيق، فتنبعث الحياة من جديد معلنة ولادة مشرقة.

أهم القصور في سورية: قصر العظم في دمشق وقصر أوغاريت الملكي وقصر ابن وردان وقصر الأمير عبد القادر الجزائري في الربوة في دمشق، وقصر البنات في منطقة الرافقة، وقصر الحير الشرقي وقصر الحير الغربي، وهما في البادية وقصر الخضراء في دمشق وقصر العظم في مدينة حماة وقصر النعسان في دمشق القديمة وقصر هرقلة في مدينة الرقة وقصر الدارين في مدينة حلب، وقصر الآغا وقصر الزهراوي وهما في مدينة حمص.


قصر العظم في دمشق *

يعد قصر العظم في دمشق من أهم القصور الضخمة والجميلة جداً، فقد بني في الفترة العثمانية في عام 1953 أمر ببنائه والي دمشق أسعد باشا العظم، وسمي نسبة له ليكون داراً لسكنه بعد توليه ولاية الشام، وهو من أهم مقاصد السواح في مدينة دمشق القديمة.

يقع القصر وسط مدينة دمشق القديمة ما بين الجامع الأموي شمالاً وسوق مدحت باشا جنوباً بالقرب من سوق البزورية. 

يقسم القصر إلى جناحين رئيسيين الحرملك وهو الجناح المخصص للنساء والسلملك الجناح المخصص للضيوف من الرجال، والجناح الثالث الملحق للخدم، ويطلق عليه اسم الخدملك.

يشمل القصر العديد من القاعات منها: قاعة الكتابة والتدريس، حيث كان التلاميذ يدرسون فيها القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة، واللغة العربية، والحساب.. وكانت تعرف بالكتَّاب. أما قاعة الاستقبال ففيها أثاث قديم صُنع من خشب الجوز، وعليه أغطيته من قماش الأغباني الموشى بخيوط الحرير والذهب. كذلك هناك قاعة للموسيقى الشرقية، فيها آلات شرقية قديمة وترية ونفخية، وغيرها والعديد من صور أعلام الموسيقى. كما نجد قاعة العروس، تعرض فيها أزياء العروس ونماذج الهدايا التي كانت تقدم لها، تليها قاعة الحماية، والمقصود بها حماة العروس، وتشمل مشاهد للعائلة والكنائن. كذلك هناك قاعة الملك فيصل، وقاعة المقهى الشعبي. أما قاعة السلاح ففيها مجموعة من الأسلحة القديمة كالسيوف والخناجر والبنادق والدروع ولباس الحرب.. وهناك قاعة الحمام، وهي مؤلفة من ثلاثة أقسام: البراني والجواني والوسطاني...

كذلك نجد قاعة الحج: تعرض مشهداً لمحمل الحج الشامي القديم مع أمير الحج، وفي وسط القاعة مصاحف مكتوبة بالذهب، والفضة، والتقويم الهجري، وأسماء الله الحسنى. وهناك قاعة المقهى الشعبي: تعرض الحكواتي وصندوق العجائب ومسرح خيال الظل. أما القاعة الكبرى، فهي قاعة استقبال الباشا، وتعرض مشهد الباشا مع أحد الفلاحين ووكيله، فضلاً عن أثاث مصنوع من خشب الجوز المطعم بالصدف، والمزخرف بالأربيسك، والخيط العربي. 

وقاعة النحاس: تعرض نماذج لصناعة النحاس والأدوات المستخدمة في هذه الصناعة من حفر ونقش بالإضافة لمجموعة نحاسية مزينة بماء الذهب وماء الفضة وعلى الجدران الخارجية مجموعة من الاطباق الكبيرة التي تستخدم لتناول الطعام ومجموعة من الصناديق الخشبية في مدخل القصر. وهناك قاعة الجلديات تعرض نماذج للأدوات المصنوعة من الجلد كالأحذية والأحزمة والحقائب وصانع الجلد مع الأدوات المستخدمة في الصناعة. أما قاعة النسيج ففيها نماذج وأنواع النسيج الدمشقي كالدامسكو والبروكار والأغباني إضافة إلى الأحزمة والنول.


قصر ابن وردان *

يقع القصر إلى الشرق من مدينة حماة بمسافة تبعد عنها ستين كم. وهو قصر أثري عريق يعود إلى العهد البيزنطي، يمتاز بجماله وباستخدام حجارة الآجر في بنائه، مساحته نحو ألفي متر مربع، تتوسطه ساحة سماوية مربعة الشكل.     

هناك أقاويل عدة حول سبب تسمية القصر بابن وردان، منها: إن ابن وردان عندما كان يسافر من منطقة إلى أخرى، كان يمر بالقصر ليستريح، فأطلق الناس على القصر باين وردان، ومقولة أخرى أن الطين الذي كان يستعمل في بناء القصر قد مُزج بماء الورد، وكلما أمطرت السماء عليه كانت تنتشر رائحة عطرة. كذلك يطلق عليه اسم دير الأقواس نظراً لكثرة الأقواس فيه، وقد بنيت من الحجارة البازلتية السوداء ومن القرميد المربع.

يتألف من طابقين: الأول يحتوي على صفين من الغرف وأروقة على الجانبين ينفذ بعضها إلى بعض، ويتصل بالأروقة صفان آخران من الغرف، وسقوفها على شكل أنصاف قباب، وهناك مدخل طويل إلى الجنوب منه بئر ماء أثري.

ثانياً الكنيسة: هي بناء منفصل عن القصر، تقع إلى الغرب منه، وهي مستطيلة الشكل، أرضها مرصوفة بالحجارة والرخام على شكل زخارف هندسية جميلة، أما جدرانها فهي مزخرفة بالفسيفساء الملونة ذات المكعبات الحجرية والزجاجية والآجرية، ولا تزال قائمة حتى الآن.  قيل: إنها تشبه كنيسة آيا صوفيا في تركيا.

ثالثاً: الثكنة: تقع الثكنة إلى الجنوب من القصر، وهي منفصلة عنه، وقد تعرضت إلى حالة كبيرة من الخراب، يتألف بناؤها من طابقين، وهما عبارة عن غرف عدة وقاعات كبيرة.


قصر الزهراوي *

يقع القصر في حمص القديمة في حي الحميدية، وهو مبني من الحجارة البازلتية المعروفة في المدينة، ليكون نموذجاً هاماً للبناء المعماري العريق.

يعتبر دار الزهراوي دار الحكم الثاني بعد القلعة. وقد بنيت القاعات والإيوانات والغرف على شكل تناظري. يتألف القصر من خمسة أقسام: قبوان بيزنطيان والإيوان الأيوبي والجناح العثماني والجناح المملوكي. والقصر عبارة عن طابقين تعلوهما القباب إضافة إلى وجود سبيل ماء عند مدخله الرئيسي وهو أقدم سبيل ماء في حمص.

كان القصر يستخدم في ذلك الوقت داراً للقضاء، فقسِّم جناح الإيوان الذي يقع في الجهة الجنوبية للقصر إلى ثلاثة أقسام: غرفتين على اليمين والشمال للاستماع إلى حجج المتخاصمين كل على حدة، وغرفة لإطلاق الأحكام. ويتميز الإيوان بقبة صدفية ومقرنصات وحنايا ركنية، كما تتميز القاعة الشمالية بوجود كتابات تحكي عن تأسيس القصر وفوقهما أسدان متقابلان.. أما الدرجان الضيقان من الجهتين الشرقية والغربية فهما مخصصان للصعود إلى الطابق الثاني للقصر، ويفضيان إلى إيوانين وشرفتين تطلان على الفسحة السماوية.

ويقال إن باني القصر هو علي بن موسى أبي الفضل الزهراوي ويعود القصر إلى العهد المملوكي، أما القسم الجنوبي فيعود إلى العهد العثماني، علماً أن القصر قد بني على قبوين من العهد البيزنطي كما جرت العادة في بناء القصور والمعابد والكنائس والجوامع على أنقاض الأبنية القديمة. وقد وجد فيهما أثناء التنقيب عام 1990 العديد من المدافن واللقى الأثرية، تعود للفترة البيزنطية.

كان القصر قديماً يستخدم كمحطة للتجار بشكل خاص، فيحطون رحالهم، ويستريحون وينامون فيه، أي كان بمثابة فندق لهم، وليس للتجار فحسب، بل لكل العابرين في المنطقة.

أما في الوقت الحاضر، فقد أصبح مكاناً مخصصاً للنشاطات الثقافية حيث تعرض فيه الأمسيات الشعرية والقصصية، وكذلك تقام فيه معارض للرسم، وللحرف والأشغال اليدوية.. كما تزوره العديد من الفئات الطلابية من المدارس بشكل خاص للتعرف عليه. 

لقد قامت مديرية الآثار والمتاحف بترميم القصر بعدما طاله بعض من التدمير نتيجة الأحداث الأخيرة 

للحرب على سورية ليكون متحفاً للتقاليد الشعبية والحرف اليدوية، وسوف 

يضم الصناعات اليدوية القديمة المعرضة للاندثار، كذلك ستقدم فيه نماذج من الأدوات المنزلية القديمة والأزياء الشعبية والتقليدية، 

فضلاً عن وجود قاعة للأطفال تضم مجموعة من الألعاب القديمة التي استبدلت بها الألعاب الحديثة التي نراها اليوم، وخاصة الألعاب التي على الانترنت.

ختاماً نقول: إن القصور في سورية تمثِّل آبدة فريدة للثقافة المعمارية التي تركت بصماتها الجميلة على جدران القصور وسقوفها وأروقتها لتحكي للأجيال قصص تاريخ عريق مرَّ من هنا.