علي حسن الفواز
ما يحدث في فرنسا من تظاهرات واحتجاجات بعد قتل الشاب نائل ذي الأصول الجزائرية يكشف عن مأزق وجودي للسياسة الفرنسية الداخلية، ولسوء إدارة ملف المهاجرين ومناطق الجماعات العرقية، فضلاً عن ما يكشفه من صعود مريع لموجة من الممارسات العنصرية، طالت حتى الرياضيين والفنانين، وهو مابات ضاغطاً على الدعوة للمطالبة بوضع قانون جديد للهجرة إلى فرنسا..حادث القتل لا تفسير له سوى البُعد العنصري، ولطبيعة الإجراءات المعقدة في التعامل مع الجماعات المهاجرة، الأمر الذي يُعيد إلى الأذهان مقولة أمين معلوف عن "الهويات المقتولة" التي تعيش رهاب وجودها في بيئات الضغط السياسي والأمني والحقوقي، والتي تجعل من اللجوء أو الهجرة وكأنه وجودٌ قلق، أو مؤقت، أو محكوم بعوامل السياسات الراديكالية التي بات يبثّها اليمين المتطرف، ليس في فرنسا وحدها، بل في أغلب دول أوروبا..قد يبدو حديث العنصرية مثيراً للجدل، مابين الدستور الديمقراطي، وبين الواقع، لكن ماجرى تحوّل من حادث قتل، إلى أزمة تفجّر معها المكبوت النفسي والاجتماعي والهوياتي، فكانت التظاهرات التي قال عنها الرئيس ماكرون بأنها أكبر تحدٍ له خلال "فترته الرئاسية" دفع الحكومة الى اتخاذ إجراءات استثنائية، قد تؤدّي إلى إعلان قانون الطوارئ، فضلاً عن التخطيط لإجراءات دستورية تجعل من جرائم القتل على أساس عنصري مدعاة لإجراءات قانونية، تقوم على أساس كفالة حق "المواطنة" وتعزز الموقف القانوني إزاء الخروقات التي تقوم بها بعض عناصر الشرطة، وتحت يافطة نمطية تقول "الدفاع عن النفس" .هذه التظاهرات أعادت إلى الأذهان اضطرابات 2005 خلال حكم الرئيس ساركوزي، والتي استمرت لأكثر من تسعة عشر يوماً بسبب مقتل اثنين من المواطنين، تحوّلت إلى مايشبه حرب الشوارع، وهذا ما يجعل حادث قتل الشاب الجزائري مفتوحاً على إحداث مزيدٍ من العنف والاعتداء على الأملاك الخاصة، حيث تم اعتقال 1300 شخص، بعد ليالٍ صاخبة من الاشتباكات وأحداث التخريب والسطو وإضرام النار في عدد من المتاجر والسيارات.البحث عن خيارات لمواجهة تداعيات مايحدث من تظاهرات، قد يدفع أيضاً إلى مزيد من العنف، ليس بسبب توجهات بعض من إدارة الرئيس الفرنسي، ومنهم وزير الداخلية جيرالد دارمانان، بل بسبب تحولات جيوسياسية في أوروبا، والتي قد يدخل بعضها في سياق الانثربولوجيا السياسية، حيث ستهدف إلى مزيد من الإجراءات إزاء الأقليات، وتحت غطاء الدفاع عن هوية فرنسا العلمانية، والذي يقابله ضعف حكومي، وإهمال في معالجة هذا الملف الحقوقي المُعقد من سنوات طويلة.