الوصمة الاجتماعيَّة

آراء 2023/07/03
...







 د. جبار خماط حسن

هل تشعر بالخزي الاجتماعي؟ لأن ولدك أو بنتك سلكا طريق الإدمان؟ هل صمتك هو الحل؟ ام المواجهة والاعلان بأن ما نمر به ليس مشكلة فردية، بل هي ظاهرة ينبغي مواجهتها؟ التقيت طبيبا إخصائيا في الطب النفسي، سألته، هل الإدمان مرض؟

قال نعم، هو مرض نفسي مزمن، ضروري متابعته يوميا واستدامة اثر التعافي لدى المتعاطين،  قلت وكيف مواجهة هذا المرض النفسي المتعلق بتعاطي المؤثرات العفلية أو المخدرات؟ قال بنشر ثقافة الإعلان والإخبار وجلب المتعاطين إلى المراكز التأهيلية.

ينبغي أن نواجه هذه المشكلة التي تهدد مستقبل شبابنا وبلدنا، بشجاعة ودراية علمية، انتشار الادمان والمخاوف من تحوله إلى ظاهرة تشبه انتشار الوباء من دون رادع! كثيرا ما نشاهد مقاطع فيلمية قصيرة، تتناول بالتحذير، مخاطر الادمان، لا نسمع في المذياع مسامع تحمل رسائل تحذير، وايضا رسائل تحفيزية للمواجهة وتحدي لهذه الآفة القاتلة. 

ينبغي على مؤسساتنا التعليمية والتربوبة والدينية والثقافية والاعلامية ومنظمات المجتمع المدني أن تشيع ثقافة التحدي بالمعلومة، اعلن عن المتعاطي، لأنه سلوك يتوجه نحو الحد من انتشار الإدمان بين أوساط 

الشباب. ‏كنت قد زرت مستشفى ابن رشد للتدريب النفسي، بهدف تقديم مشروع التأهيل الإيجابي للسلوك لدى المتعاطين، واعادة اندماجهم داخل المجتمع، وجدت من خلال المقابلات الشخصية مع عينة عشوائية، وبأعمار مختلفة، أنهم يريدون التخلص من الإدمان، لكن نظرة المجتمع لهم، تضعهم في زاوية ضيفة من الشعور بالانكسار النفسي، وعدم القدرة على المواجهة، أو إعلان رفضهم للمصير السلبي الذي يدفعهم اليه الادمان على المخدرات! إنهم محاصرون بنظرة المجتمع، أو ما نسميه بالوصمة الاجتماعية، ولهذا دعم المتعاطي بالاحتواء النفسي التاهيلي والدوائي ضروري بهدف التخلص من الشعور بالخزي الاجتماعي.

‏تفاعل المتعاطون مع المشروع، وتعلموا مهارات كثيرة، منها التفكير والتعبير الحر، اكتشاف شخصيات من الواقع ايجابية، بهدف الاقتداء بها، كل هذا جعل من ذواتهم المحبطة، قوية بارادة ساعية إلى تحويل السلبي إلى الايجابي. ثمة مؤتمرات رسمية وغير رسمية، تحذر من الإدمان على المؤثرات العقلية، لكنني لم أجد علاجا نوعيا للحد من هذه الظاهرة! نشجب ونرفض ونتفرج، ثم لا شيء! الرادع القانوني والعقابي، جيد، لكن ليس هو الحل حصرا، ينبغي أن نؤسس قاعدة بيانات بعدد المتعاطين، ثم العمل على تشكيل فرق جوالة من الباحثين النفسسيين والاطباء، لعمل مقابلات مع العوائل، في مناطقهم، مع ضمان عدم تسرب معلوماتهم، لاكتشاف حالات الادمان، لم يتم الاعلان أو الاخبار عنها، خوفا من ملاحقة الوصمة الاجتماعية لهم، هذا الاجراء العملي، يحقق اثرا إيجابيا في الحد من انتشار تعاطي المخدرات، مؤكد ان رحلة العلاج بعد ايواء المتعاطين في مراكز التاهيل الاجتماعي، تمر بمرحلتين:

1 - العلاج الدوائي: العلاج الدوائي لعلاج الاعراض النسحابية التي تظهر عند المتعاطي بعد التوقف عن أخذ المادة، بهدف التخلص من السمية المنتشرة في جسمه.

2 - التاهيل والاندماج الاجتماعي:

عن طريق برامج متنوعة ومختلفة مثل المسرح والرسم والموسيقى والرياضة، من اجل القضاء على الفراغ والملل والأعراض النفسية الآخرى مثل القلق والاحباط، وهو مهم لاعادة اندماج المتعاطي مع المجتمع.

بعد كل ما ورد، هل ثمة شعور بالوصمة اجتماعية لدى الأسر، وهي ترى وتتلمس الجهود الكبيرة من لدن الكوادر الطبية في مراكز التاهيل الاجتماعي؟ 

ينبغي التثقيف على الايمان بالحل الطبي، بطرق ومسالك نوعية، تصمن استقرار المتعاطي نفسيا، وإيمانه بان ارادته هي مفتاح الشفاء، ولهذا، ينبغي استدامة هذا الفعل الايجابي، الذي يغير الذات المحبطة ويجعلها اكثر فاعلية داخل بنية المجتمع.