صور عراقيَّة

الصفحة الاخيرة 2023/07/04
...

حسن العاني

هو الآن في التاسعة والسبعين من العمر، بفضل الله أولاً وبحكم مراعاته لضريبة العمر واهتمامه بصحته، ما زال متعافياً، وإنْ استعان بالعصا والنظارات الطبية، وها هو السيد صباح اسماعيل يدخل محلاً كبيراً من المحال التجارية التي تم افتتاحها حديثاً في منطقته ويشتري علبة حليب، ويدفع ثمنها المتعارف عليه، لكنَّ البائع بكل ما أوتي من تهذيب قال له [واصل أستاذ صباح.. العلبة على حسابي، وكل ما تطلبه من المحل واصل!]، [شكراً عزيزي.. أرجوك أنْ تأخذ المبلغ،  بالمناسبة من أين عرفت اسمي]، ابتسم البائع وردَّ عليه [كيف أنسى أستاذي معلم اللغة الانكليزية في مدرسة الظفر؟!]، وبالرغم من محاولات الرجل دفع الثمن، إلا أنَّ البائع رفض قبوله وهو يقسم بأغلظ الايمان، وهكذا غادر المعلم المكان مغموراً بالفرح، والدموع تغرق عينيه.. لكنه لم يذهب الى المحل مرة أخرى!.
أذهلتني تمثيلية (الصفعة) – عمل تلفزيوني عراقي قديم بالأسود والأبيض- تولى بطولته (سامي قفطان وكرم مطاوع) وأكثر ما أذهلني في العمل هو الدور الذي أداه قفطان في مواجهة مطاوع اسم كبير لفنان مصري كبير) ولأنني أجهل النقد الفني ومعاييره، لجأت إلى أستاذي وصديقي الراحل يوسف العاني، وسألته عن سامي قفطان ودوره في (الصفعة)، وتوقعت أنْ يكون ردُّهُ [يعني.. سامي خوش ممثل] وينتهي كل شيء، غير أنَّ يوسف أشاد وأشاد بقدرات قفطان وموهبته، وتحدث عن تفاصيل رائعة لا يتسع المجال لذكرها.
وأنه لو كان في هوليوود أو لندن أو القاهرة لكان واحداً من ألمع نجوم التمثيل في العالم، ازددت سعادة، وقبل ذلك إعجاباً بهذين الرمزين الكبيرين .
لولا مخاوفي التي ورثتها عن عملي في الصحافة من أنْ يدخل ذلك في باب الدعاية لذكرتُ طبيب العيون الذي كنت في عيادته، وجرت الوقائع أمامي، فالمرأة التي تجاوزت الستين على وفق تقديري، ترجو من السكرتير تخفيض أجرة الفحص إلى النصف لأنها لا تمتلك المبلغ كاملاً، الرجل يعتذر منها لأن ذلك خارج صلاحياته ولكنه سيسأل الطبيب، ولا ندري أي حديث دار بينهما، بوجه موشوم بالسعادة أخبرها أن الطبيب يقول (الكشفيه على حسابي)، بكت المرأة، ثم تفاقم بكاؤها وهي غير مصدقة بعد الانتهاء من الفحص، حيث طلب منها السكرتير الانتظار قليلاً ..
كانت مفاجأة كبيرة لها أنَّ الطبيب كلّف السكرتير باحضار الدواء على حسابه كذلك من الصيدلية الموجودة في العمارة نفسها، حين استذكر المشهد الآن، لا أستغرب ولا أجد فيه أية مفاجأة، فأولئك هم العراقيون الحقيقيون.