عن فقدان ثقة المواطنين بالسياسيين والدولة

آراء 2023/07/05
...

 عبد الحليم الرهيمي

 اتسعت، في السنوات الاخيرة، حالة أو ظاهرة فقدان المواطن العراقي لثقته بالسياسة والسياسيين، وخاصة ‏الكتل والجماعات السياسية المتنفذة والممسكة بسلطات الدولة ومقدراتها، لذلك لم يعد ممكناً إخفاء أو إنكار ‏وجود هذه الظاهرة – الحالة التي يعايشها المواطنون ويتحدث بها حتى العديد من السياسيين المتنفذين، وكذلك ‏رئيس الحكومة السيد السوداني نفسه، الذي أشار في أحد تصريحاته (بأنه يجب إعادة ثقة المواطن بالدولة ‏والحكومة)، الأمر الذي يعني ضمناً وصراحة أن هذه الثقة مفقودة وغير موجودة.‏

وبينما بلغت ثقة المواطن بالدولة الجديدة الناشئة، خلال عدة سنوات بعد التحرير والتغيير في 9 نيسان – ابريل ‏‏2003 مستوى عالياً وترافقت بالآمال والتفاؤل الكبير بنظام حكم ديمقراطي عادل ورشيد يحقق التقدم والازدهار ‏للشعب العراقي والعراق بعد التخلص من نظام الحكم الدكتاتوري القمعي وحروبه المغامرة والكارثية، بدأت تلك ‏الثقة العالية تهتز وتتراجع رويداً رويداً في السنوات التالية، حتى بلغت أولى ذرواتها بالطعون، التي وجهت ‏للانتخابات التشريعية عام 2010 وما أعقبها من تلاعب وخرق فاضح ومروع لدستور 2005 المليء أصلاً ‏بالثغرات والألغام والمصطلحات التقسيمية المدمرة لوحدة الشعب العراقي كما سعى اليها كتبة هذا الدستور، ‏وكان الخرق أو الجرم الاكبر هو التفسير الخاطئ المتعمد للمادة (76) حول الكتلة النيابية الاكثر عدداً (اي ‏الفائزة في الانتخابات وليس المفبركة بعدها لصالح جهات معينة لا تستحقها). 

واذْ أشار ذلك إلى الخرق ‏الفاضح والمروع للدستور، فقد اشار في الوقت ذاته، لما هو أخطر وهو البدء بنسف وتعطيل أحد أهم ركائز ‏النظام الجديد والديمقراطية، مثلما ذكر ايضاً لبداية عودة أساليب الحكم الدكتاتوري المباد في التزوير والتلفيق، ‏خلافاً حتى للقوانين 

المقره.‏

هذه الصدمة الموجعة لآمال العراقيين ولثقتهم بالنظام السياسي الجديد، شكلت بداية مؤسفة وغير موفقة ‏لصدمات متتالية في مسار (العملية السياسية) وسياسييها، لا سيما القوى المتنفذة والمهيمنة على السلطة، حيث ‏بدأ استسهال الخروق القانونية والدستورية في عمل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، ‏واستشراء عملية الفساد دون حلول جادة، إضافة إلى عجز الحكومات المتعاقبة منذ 2003 من تحقيق – أقله- ‏الخدمات الضرورية والأساسية للمواطنين وغياب السياسات الاقتصادية والاجتماعية الهادفة للاستثمار ‏والإعمار، وتوفير فرص العمل لجميع القادرين عليه (خريجين وغير الخريجين).‏

واضافة إلى عجز الحكومات المتعاقبة من إنجاز الحد الأدنى لما هو مطلوب منها ومسؤوليتها عن توفير ‏البيئة المناسبة لاحتلال داعش لمناطق واسعة من العراق، هو تسترها على التقرير البرلماني المهم جدا، الذي ‏يوضح حقيقة ما جرى منذ العاشر من حزيران عام 2014 وما بعده باحتلال تلك المناطق ومقدماته والنتائج ‏الرهيبة، التي ترتبت عليه، لا سميا ارتكاب جريمة (سبايكر) المروعة وبالطبع، فإن غالبية المواطنين، قد أدركت ‏وتدرك بنظرات صائبة وتحميل الحكومة آنذاك مسؤولية ذلك الاحتلال.‏

إن الرغبة والسعي لتوفير الثقة الحقيقية بين المواطنين والدولة وخاصة سلطتها التنفيذية (فضلاً عن التشريعية ‏والقضائية) تبدأ أولاً بالاعتراف بوجود هذه الحالة – الظاهرة والبحث في أسبابها وممهداتها، فضلاً عن تقدير ‏نتائجها الضارة بالدولة ومؤسساتها و(بالعملية السياسية).‏

واذا كان بالإمكان الافتراض أن الحكومة الحالية، وبقية المؤسسات غير مسؤولة عن سياسات واعمال الحكومات ‏السابقة ومؤسسات الدولة الاخرى، فان هذه الحكومة التي اعترف رئيسها بفقدان الثقة بين المواطن 

من جهة ‏والحكومة وبقية مؤسسات الدولة من جهة ثانية، بذل المساعي الجادة وبمختلف المستويات على توفير البيئة ‏المناسبة والضرورية والحقيقية، لتبديد مواقف فقدان المواطنين لثقتهم بالدولة والحكومة وأهمها وأبرزها التعامل ‏بصدق وبشفافية في المواقف، بعيداً عن الوعود والتعهدات، التي لا يمكن تحقيقها والتقليل من تعابير السين والـ ‏‏(سوف) التي ملّ المواطن سماعها والذي لسان حاله يردد المثل الشعبي (لا تقل سمسم إلا تلهمه)، إنما ‏القيام بأعمال وانجازات عملية، لا يعتبرها المواطن شكلية أو ( ترقيعية) أو لِأسباب سياسية لا تعنيه وليست ‏لمصلحته، ومن خلال ذلك فقط، يمكن توفير البيئة المناسبة التي تبدد أسباب ومبررات فقدان المواطنين لثقتهم ‏بالدولة والحكومة، وما يطلق عليه بـ (العملية 

السياسية).