عبد الحليم الرهيمي
اتسعت، في السنوات الاخيرة، حالة أو ظاهرة فقدان المواطن العراقي لثقته بالسياسة والسياسيين، وخاصة الكتل والجماعات السياسية المتنفذة والممسكة بسلطات الدولة ومقدراتها، لذلك لم يعد ممكناً إخفاء أو إنكار وجود هذه الظاهرة – الحالة التي يعايشها المواطنون ويتحدث بها حتى العديد من السياسيين المتنفذين، وكذلك رئيس الحكومة السيد السوداني نفسه، الذي أشار في أحد تصريحاته (بأنه يجب إعادة ثقة المواطن بالدولة والحكومة)، الأمر الذي يعني ضمناً وصراحة أن هذه الثقة مفقودة وغير موجودة.
وبينما بلغت ثقة المواطن بالدولة الجديدة الناشئة، خلال عدة سنوات بعد التحرير والتغيير في 9 نيسان – ابريل 2003 مستوى عالياً وترافقت بالآمال والتفاؤل الكبير بنظام حكم ديمقراطي عادل ورشيد يحقق التقدم والازدهار للشعب العراقي والعراق بعد التخلص من نظام الحكم الدكتاتوري القمعي وحروبه المغامرة والكارثية، بدأت تلك الثقة العالية تهتز وتتراجع رويداً رويداً في السنوات التالية، حتى بلغت أولى ذرواتها بالطعون، التي وجهت للانتخابات التشريعية عام 2010 وما أعقبها من تلاعب وخرق فاضح ومروع لدستور 2005 المليء أصلاً بالثغرات والألغام والمصطلحات التقسيمية المدمرة لوحدة الشعب العراقي كما سعى اليها كتبة هذا الدستور، وكان الخرق أو الجرم الاكبر هو التفسير الخاطئ المتعمد للمادة (76) حول الكتلة النيابية الاكثر عدداً (اي الفائزة في الانتخابات وليس المفبركة بعدها لصالح جهات معينة لا تستحقها).
واذْ أشار ذلك إلى الخرق الفاضح والمروع للدستور، فقد اشار في الوقت ذاته، لما هو أخطر وهو البدء بنسف وتعطيل أحد أهم ركائز النظام الجديد والديمقراطية، مثلما ذكر ايضاً لبداية عودة أساليب الحكم الدكتاتوري المباد في التزوير والتلفيق، خلافاً حتى للقوانين
المقره.
هذه الصدمة الموجعة لآمال العراقيين ولثقتهم بالنظام السياسي الجديد، شكلت بداية مؤسفة وغير موفقة لصدمات متتالية في مسار (العملية السياسية) وسياسييها، لا سيما القوى المتنفذة والمهيمنة على السلطة، حيث بدأ استسهال الخروق القانونية والدستورية في عمل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، واستشراء عملية الفساد دون حلول جادة، إضافة إلى عجز الحكومات المتعاقبة منذ 2003 من تحقيق – أقله- الخدمات الضرورية والأساسية للمواطنين وغياب السياسات الاقتصادية والاجتماعية الهادفة للاستثمار والإعمار، وتوفير فرص العمل لجميع القادرين عليه (خريجين وغير الخريجين).
واضافة إلى عجز الحكومات المتعاقبة من إنجاز الحد الأدنى لما هو مطلوب منها ومسؤوليتها عن توفير البيئة المناسبة لاحتلال داعش لمناطق واسعة من العراق، هو تسترها على التقرير البرلماني المهم جدا، الذي يوضح حقيقة ما جرى منذ العاشر من حزيران عام 2014 وما بعده باحتلال تلك المناطق ومقدماته والنتائج الرهيبة، التي ترتبت عليه، لا سميا ارتكاب جريمة (سبايكر) المروعة وبالطبع، فإن غالبية المواطنين، قد أدركت وتدرك بنظرات صائبة وتحميل الحكومة آنذاك مسؤولية ذلك الاحتلال.
إن الرغبة والسعي لتوفير الثقة الحقيقية بين المواطنين والدولة وخاصة سلطتها التنفيذية (فضلاً عن التشريعية والقضائية) تبدأ أولاً بالاعتراف بوجود هذه الحالة – الظاهرة والبحث في أسبابها وممهداتها، فضلاً عن تقدير نتائجها الضارة بالدولة ومؤسساتها و(بالعملية السياسية).
واذا كان بالإمكان الافتراض أن الحكومة الحالية، وبقية المؤسسات غير مسؤولة عن سياسات واعمال الحكومات السابقة ومؤسسات الدولة الاخرى، فان هذه الحكومة التي اعترف رئيسها بفقدان الثقة بين المواطن
من جهة والحكومة وبقية مؤسسات الدولة من جهة ثانية، بذل المساعي الجادة وبمختلف المستويات على توفير البيئة المناسبة والضرورية والحقيقية، لتبديد مواقف فقدان المواطنين لثقتهم بالدولة والحكومة وأهمها وأبرزها التعامل بصدق وبشفافية في المواقف، بعيداً عن الوعود والتعهدات، التي لا يمكن تحقيقها والتقليل من تعابير السين والـ (سوف) التي ملّ المواطن سماعها والذي لسان حاله يردد المثل الشعبي (لا تقل سمسم إلا تلهمه)، إنما القيام بأعمال وانجازات عملية، لا يعتبرها المواطن شكلية أو ( ترقيعية) أو لِأسباب سياسية لا تعنيه وليست لمصلحته، ومن خلال ذلك فقط، يمكن توفير البيئة المناسبة التي تبدد أسباب ومبررات فقدان المواطنين لثقتهم بالدولة والحكومة، وما يطلق عليه بـ (العملية
السياسية).