الجنة

ثقافة 2023/07/05
...

حسب الله يحيى



(1)

لم يعد الرجل العجوز قادراً على إضفاء حكمته على أولاده، ولا حتى إلزامهم بأمر ما، ذلك أنهم باتوا رجالاً، والرجال لهم كلمتهم وسطوتهم وحكمتهم كذلك.

فضلاً عن ذلك ، اعتقد الأبناء أنَّ عجز والدهم، لم يكن عجزاً جسدياً حسب، وانما أصبح عجزاً ذهنياً كذلك.. وأنه ظل أسير تقاليد الماضي، وليس بمقدوره الخروج عن هذه الدائرة التي كفت عن الدوران وباتت صدئة لا تواكب العصر.

لم يتهموه بالخرف أبداً، ولم تبد عليه علامات الزهايمر، ولا تأثيرات ضغط الدم والبروستات والسكر والصداع النصفي.

أبداً.. كان صاحياً، ويتمتع بعافيه جسدية وذهنية سليمة، نادرة بالنسبة لمن بلغ الثمانين من عمره.

صحيح أنَّ تقاعده عن الوظيفة، قد أظفى عليه قدراً من السكون ومحدودية الحركة التي لاتغادر حديقة وجدران البيت، والحديث القصير والجلسات الأسرية التي تحددها طقوس الطعام على مائدة واحدة .

لكن كان شديد الانتباه مصحوباً باحتمال الصبر، الصبر الذي لا يشكو ولا يئن ولا يغادر هذا السكون الحكيم .  

احتفظ باحترام نفسه, بحيث لم يعد يتدخل في شؤون ولديه..

وهما بدورهما، كانا يحترمان صمته ووقار شيخوخته.

غير أنه في الأيام والأسابيع الأخيرة، بات النوم عصياً عليه، وإذا كان الأرق يجهده، ينام فيهما تثقله الأحلام القائمة.. وعندئذ يستيقظ فزعاً.

تهرع إليه زوجته العجوز، وهي تداري أرَقه وكتمان وخزين غابات من الكلمات التي يريد أن يبوح بها.. فلا يفلح، إما عن قلق لما قد يجده من رفض لدى ولديه، أو قد يستاءان منه في أفضل الأحوال، من دون أن ينفّذوا واحدة من نصائحه.

قال له عماد ذات مساء :

أبي قررت السفر.. أريد أن أجد نفسي في عالم آخر، أريد أن أعثر على جنتي بنفسي من دون أن يدلني عليها أحد.

استاء الرجل العجوز من قرار عماد، وعّد عباراته.. قراراً وليس استشارته، وانتظار قبول أو رفض منه..

فما كان عليه إلا أنَّ يقول بحزن عميق ودمعة بانت في عينيه.

-    أنت رجل ، وأنت أدرى بمصلحتك.. ولكن ألا ينبغي لك الانتظار ريثما تتغير الأمور ويصدر أمر تعيينك في وظيفة تناسب شهادتك الجامعية؟.

-    أبي انتظرت خمس سنوات، ولم تعد لدي قدرة على مزيد من الانتظار.. فقط أرجو منك احتمال غيابي.. وأنا أعرف أنك لا تمتلك القدرة على مساعدتي إلى ما لا نهاية..

أحتمل غيابي، احتمل قراري.. احتملني..

كان العجوز يعرف جيداً أنَّ عماد كان قد اتخذ قراره بالسفر..

-    كما تشاء، لعل الأبواب تفتح أمامك وإن كنت أرى الأبواب في الوطن لا يمكن أن تظل موصدة..لابد من باب يفتح..

-    هناك في الخارج أبواب كثيرة .. هناك سأجد مستقبلي، سأكون في وضع أفضل بالتأكيد.

-    التأكيد.. ليس حتماً ياولدي.. في الغربة ستجد نفسك وحيداً، وحتى لو فتحت الأبواب أمامك.. لن تجد الجنة التي تبحث عنها.. وقد تجدها، لكنك ستحس بالوحشة.. جنتك ستبقى موحشة..

غير أنَّ عماد طمأن والده واستعد للرحيل.

في البحر.. تعرف على اللصوص وسماسرة نساء ومخدرات وبغايا وباعة أكاذيب ومخادعين ومغامرين.. أقوام شتى، ونوعيات بشرية لم يألفها.

احتمل عماد احتمالاً بسعة البحر، فيما كان القارب يلتم على كل هذه الكائنات البشرية التي لا يجمعها ،سوى قارب يسير نحو المجهول..

قتّر في طعامه وشرابه واحتسب لحصاد ما يتيسر عليه من نقود ومستمسكات ثبوتية إلى أنه هارب من جحيم بلاده، وأنه يقصد بلاد الله، عله يجد في الأله عوناً على حياة الضنك التي عاشها.

كان يدقُّ أبواب الجنة في قلبه متفائلاً، مثلما كان يعمل على التوفيق في أحاديثه مع كل هذه الكائنات التي لم يكوّن عنها صورة طيبة، لكنه ملزم بالتعايش معها، ذلك أنَّ المركب في البحر .. يجمع الجميع على أمل مجهول وعالم غائب.. وواقع مثقل بالترقب والقبول بالاحتمالات كافة.

كان الكل يعيش المجهول.. سواء  كان في الشر قبلاً، أو في الخير بعداً..وما كان أبعد.. أبعد بكثير مما كان يتصور.. ذلك أنَّ حجم الشر كان يعلن عن نفسه في معظم العيون التي تترقب لحظة ما، لحظة لم يكن يدركها ولا قدرة له على تحليلها.. لكنها بّينة وواضحة بشكل جلي في الوجوه القلقة.

كان قلق مخاطر البحر واحتمال العواصف قائماً، لكن ما كان أقوى من العواصف، كان يكمن في ترقب آخر، وامتياز لحظة ما..

بحث عن طعامه فلم يجده، وكتم أنفاسه وقبل أن يظل جائعاً، يتسوَّل لقمة من هذا ، وقطرات ماء نقي من ذاك.

قام متعباً، جائعاً، على الرغم من  ضجَّة الأصوات حوله..

واستيقظ على يد تفتش ملابسه بحثاً عن نقود.. صّد اليد الممتدة، ففوجئ بأيادٍ كثيرة تكتم عليه أنفاسه.

كان الحزن يثقل عليه.. والأذى.. سوط يضرب كل خلية من خلايا جسمه.. في وقت كان البحر يتسع للمجهول أكثر بكثير من المعلوم .. فيما المعلوم يتضاءل، والعتمة تتسع، والخوف يكبر ويلقي بظلال الرعب.

ليل وبحر وعاصفة تنذر بالمزيد من القوة التي تضرب المياه، والمركب يتأرجح، والحذر قد لا يكفي من الآخر، ومن الخطر.. و .. الموت كذلك.

استعاد صورة أبيه وهو يودعه على كره، على دمعة تحتبس، على توسل أن يثنيه عن قراره وحلمه الغريب والعجيب.. بجنة لا تتسع لهكذا كلام عالم سحقه اليأس، وكللته بالجنون.. جنون أن يمسك بالجنة، كما لو أنه يمسك بجمرة علَّها تدفئ أصابعه، فإذا بها تحرق تلك الأصابع الناعمة، وتجعل منها عظاماً منخورة.

زادت العواصف، زاد الخوف والترقُّب..  أحس الجميع بحركة المركب بين صعود وهبوط .. هتف الربان:

-    هي الطبيعة، ولا قدرة لنا على إيقاف العواصف.. شدو أنفسكم  على خشبة الانقاذ..

إنتاب الجميع الخوف، أحسوا أنَّ الخطر محتوم وأنَّ المجهول صار معلوماً.. تحرك المركب.. امتلأ بماء البحر.. ثقل بحمله.. ثم غرق.. وغرق معه كل من فيه. 

تمسَّك عماد بالقارب، النجود لا تنجده، والبحر لا يرأف به.. والجنة صارت بعيدة، والموت الغريب اقترب من أنفاسه حد الاختناق.. حد العناء...


                                      (2)

إلتم الرجل العجوز على نفسه، وبدا أشبه بكتلة من العظام الخرساء التي تحرسها وتحفظ شكلها الهازل ثياب مهلهلة عديمة اللون، نتنة الرائحة.

بدا شائخاً أكثر مما كان عليه قبل أيام.. وكأنما فاجأه العجز دفعة واحدة.. بعد رحيل أبنه البكر عماد الذي كان يعده عميد العائلة ومؤل شيخوخته وعماد بيته، وشمعة وجوده.

لكن عماد رحل، وبقاؤه على لائحة الانتظار.. والانتظار طال، وطوله يأس وإحباط وذكريات جميلة انطفأت مع غيابه.

لم يصله خبر، ولم يأت أحد من طرفه، ولا كانت رسالة ينتظرها قد أضاءت بصره وبصيرة قلبه.

كانت صحبته لزوجته، أشبه بالعليل الذي يداوي جراحه بجراح من يماثله في سقم الحياة وجورها بعد أن غاب ما كان يراد له ألا يغيب عن أنظاره أبداً.. غير أنَّ هذا الأبد تبدد واستحال إلى حلم.. والحلم قد بهت لونه، ولم يعد به قدرة على احتمال الصبر.. فليحتمل النسيان.. وما بين الصبر والنسيان كان العجز يثقل عليه حركته.. فيتكئ على جانبي كرسي هرم، ويتألم إثر أية حركة يقوم بها بحثاً عن راحة، أو بحثاً عن تغيير، أو بحثاً عن كائن بات مجهولاً لا يبحث عنه .. كأنه الفقدان الذي يستحيل إيجاده من جديد، ولا جديد.. لا في سقف الغرفة، ولا تحت سماء مفتوحة، فما بين السقف والسماء.. مدى يمتد إلى ما لا نهاية.. فيما يدرك جيداً أنَّ نهايته قد اقتربت، ولا من يواسيه في محنته سوى هذه العجوز التي تعجز عن مداراة نفسها ومواساة آهاتها.. ذلك أنَّ عماد حياته قد انكسر..وبات يحيا بلا عمدٍ ولا بلا عماد.

 وليس بوسع جهاد أن يكون بديلاً أبداً، والأبد عند جهاد أن يرفع يديه إلى السماء ، والبر بوالديه، وطلب الجنة عند غفور رحيم.. له ولأبويه.

كان جهاد.. يجاهد مع والديه، مرشداً إلى الصلاة.

-    لكن الأدرار والبروستات تحول دون الصلاة.. والصلاة نظافة يا ولدي يقول لجهاد مراراً، ومراراً يلح هذا حّد الضجر والاستياء.. لتتسع المسافة ما بينه وبين أبويه..

-    تركتُ عماد يسافر إلى بلاد العري والفساد.. عله يجد سعادته وجنته هناك، وهناك لن يجد سوى جهنم.

يغضب الوالد، يكتم غضبه، يكتم عجزه ويحترم صمته.. وفي تكرار الملامة، ضغوط على حياة الرجل العجوز.

-    جهاد.. يا بني أنت تعلم بانني لم أكن موافقاً على سفره وكان سفره أشبه بسيف يحزُّ يقبتي. 

-    اذن هو اختار جهنم، فيما كان يعتقد أنه يقصد جناتَ عدنٍ في بلاد الغربة. 

-    لا تحرمني منك يا بني، لا تزد همومي هموماً، كُفَّ الملامة وابق إلى جانبي.

كان جهاد يفكر أن اسمه يقترن بجهاده في سبيل الله، في عبادة ربه، ومحاربة الظلم والظالمين أياً كانت هويتهم، فالسكوت كفر، وهو لا يريد أن يكون كافراً..

-    أبي لماذا اخترت لي اسم جهاد؟ 

ابتسم الوالد.. كنت توأم عماد، وحتى يلتم جرس الفرح، اسميتكما عماد وجهاد.

-    لكن عماد لم يكن يعتمد عليه لا في الحق ولا في الباطل. كما كان يمكن أن تسميني مراد أو رشاد مثلاً.

-    لكن عماد يا ولدي.. عمل ما بوسعه، درس ونجح وحصل على شهادة عليا بتفوق، لكن البطالة اثقلت عليه، وما كان له من سبيل إلا البحث عن سبيل لعيش أفضل، لجنة بعيدة يريد الوصول إليها بعرق جبينه.. اما اسمك جهاد فله قيمة معتبرة..

-    سيصل عماد إليها.. أما غرقاً، إما فساداً، وكلاهما في النار...

استاء الرجل العجوز من هذا الحوار، وأراد قطعه. قال:

-    لماذا تعمد على ايذائي بهذا الكلام يا جهاد.. لماذا لا تتفاءل بمودة اخيك، أو العثور على سبيل للحياة!

انصرف جهاد عن أبويه، فقد كان ضجر والده وحزن والدته..يؤلمانه، من دون أن يجد سبيلاً لحل يرضيه ويرضيهما.. 

حدَّث والده مرات عديدة عن حاكم البلاد.. حدث والديه عن ظلم مسكوت عنه، عن ثروات بلاد تبدد، وآمال شبيبه، تيأس وعن نهب  يلحق بالجميع، وسواد يملأ النفوس، ويبدو في كدر العيش إزاء عالم ملئ بالعتمة.

-    وما نحن فاعلون يا بني..؟! لينصرنا الله على الظالم.

-    والدي العزيز .. أريد أن يقترن اسمي بعملي.. أريد.. 

-    ماذا تريد أن تفعل؟

-    أن أنقذ البلاد والعباد من الظلم والظالمين.. فالتمني والرجاء والدعاء من ربٍّ عظيمٍ لم تعد مجدية..

-    وماذا أنت فاعل؟!

-    ستتباهى بي وسأدخل الجنة، وسأقودكم أنت وأمي إلى الجنة.. 

ابتسم الوالد:

-    ماذا فاعل أنت بنفسك يا جهاد..؟ سأل نفسه وأجاب:

-    سانقذ البلاد وأدخل الجنة.. وسواء عشت أو مت فأنا في الحالتين، موطني الجنة..

التقى مجموعة أصدقاء، كانت تجمعهم السرية والكتمان و.. وجه الله وجناته.

ثقلت الأسرار، ملأت الصدور غماً وعزيمة واصراراً، مثلما احتاط الجميع للكتمان، والكتمان في جدران من حديد.. لا السر يتسرب ولا الكتمان يحمر خجلاً وغيظاً و.. قراراً لذلك.

-    ماذا أنت فاعل وماذا نحن فاعلون.

-    لابد من بطل، قال أحدهم.

-    بل لا بد من وجود استعداد للتضحية 

-    لابد من رجل يعجل بالسكن في الجنة.

وكبرت (لابد) وأصبحت بداً من دون لا! 

بادر وقال:

-    أنا من يضحي، أنا من يجاهد وأنا من أول الداخلين إلى الجنة 

تأمله الأصدقاء، تحدق في عينه كل العيون.. تأملته وجدت مصراً على أن يكون أول المضحِّين، أول الداخلين إلى جنَّة عرضها السماء والأرض..

سيجد مكانه هناك.. وعندئذ سيتوسل ربه إلى غفران ما اقترفه الأخ التوأم والوالدان العزيزان.. 

وحتماً.. حتماً سيقبل الرب توسُّلاته، ويجمع البعيد حتى يجيء، والقريب حتى يؤمن.

انتابهم الصمت للحظات، كان منهم من يريد أن يستبق سواه إلى الجنة، من دون أن يضحي.. فالتضحية دماء ورماد، والرماد تبدد الرياح..

وكان بينهم كذلك من يبحث عن البطولة ورمزها ومكانتها، والبعض الآخر، كان يريد الشهادة، ولكن من دون أن يعرِّض نفسه للموت.. مع علمه أن الشهادة موت، والموت عصي، والحياة عصية، والشهادة عصية..

اذن.. العصيان على الذات، والتمرّد عليها هو السبيل الوحيد.

اجتمعت: التضحية والبطولة والشهادة.. مضافاً إليها السبيل الوحيد المحفوف بالمخاطر والورود معاً.. سبيل يؤدي إلى الجنة، والجنة ملك يمينه، فلماذا لا يكون جهاده.. جهاد اسم ومحتوى؟!

زوَّدوه بكاتمٍ.. الكاتم يكتم أنفاس الظلم بصمتٍ..

الكاتم تحت الثياب ثقيل وحارق وصلب.. وعليه أن يحتمل ، فمن كان له هدف لابد أن يحتمل..

الظلام سيكون في هذا المكان.. عند الجسر، والظالم سيصل بين الضفتين وهو سيكون في الضفة الأخرى.. سيكون الجسر بين الموت الحتمي والجنة الموعودة بالبشائر..

مهمته.. ألايخاف، الخوف أقصر الطرق إلى الانتحار، وهو لن ينتحر ويموت كافراً، سيموت برصاصة من أحد حراس الظالم.. موت مقابل موت.. سيقتل ويقتل، هذا أمر حتمي، وضع هذا الشرط أمامه  كأسوأ تقدير.. وهذا ما كان.. فما أن مرَّ الظالم بحاشيته حتى التقاه الناس مستهجنين وقبل أن يرفع الكاتم جاءته رصاصة في الرأس وأخرى في القلب.. 

سكت كل شيء.. سكت الموت عند منتصف الجسر.. 

وظل كلا الأبوين ينتظران أن يعود إليهما جهاد حاملاً راية بيضاء، ليقودهما معه إلى جنات عدن.


(3)

كانت الفجيعة خرساء، والشيخوخة خرساء، ودم القتيل وحده ساخن، وغياب المجهول.. عدم. 

فمن أين يجد العجوزان لحظة يتنفسان فيها الحياة؟

كل سأل نفسه.. كل منهما نحت صبره على قدر ما يستطاع وما لا يستطاع، كل.. غيَّبت أحلامه المآسي، وكل منهما تاه في مسارهم وهما يقصدان الجحيم في وقت كانت فيه الجنة قد غابت عن البيت وأهله، كما لو أنها هي الأخرى قد شيَّعها الموت..

لا أحد يقترب.. لا أحد يجيء.. لا أحد .. لا أحد..

بيت المنكوب.. يبحث عن الجنة والجنة بعيدة والبعد لم يعد قريباً أبداً.

وبيت النكبات لم يُبق على الشيخوخة سبباً للبقاء.

لا حيلة للنكبات إلا أن تصبر على البلوى.. عبارة رددها العجوز أمام زوجته، وزوجة لم تعد تعي من صوت العالم صوتاً، ومن النظرات إلا أشباحاً، أما الرجل العجوز، فقد بقى يمسك بأنثاه حتى نسي أنها امرأة، فيما كانت تمسّه وتبقيه حتى ينسى أنه رجل..

كانت عتمة الروح تبسط ظلالها بقوة، حتى كاد السواد، يسود كل شيء حولهما.. كل شيء لم يعد يعينهما. 

جنة الغريب وهي جنة مجهولة، مسحوقة.. ودعاها مع عماد، فيما كانت جنة القريب وهو محاصر بالجهل حد الموت.. قد اسكنته التراب.. 

قال لها:

-    أرأيت.. الغربة لا يمكن أن تكون الوطن.. لا يمكن أن تكون أنتِ وأنا.. لا يمكن أن تكون الجنة.

آزرته.. قالت له:

-    خسرنا.. خسارتنا باهظة، عماد اختار الغربة.. فكان مجهولاً فيما اختار جهاد أن يزيح الظلم من المكان والزمان.. فخسر حياته..

أمسكت بيده.. أمسك بيدها.. قال:

-    انتِ جنتي.. 

قالتْ: أنتَ جنتي..

وابتسما فيما كان الفجر يشقُّ الليل بخيط مضيء.


2023/6/16