انتكاسة الديمقراطيَّة الغربيَّة

آراء 2023/07/08
...

 د.عبد الخالق حسن

خلال الأيام الماضية، كان هناك حدثان استوليا على اهتمام وسائل الإعلام ومتابعيها، وربما حتى ما يحصل في فرنسا الآن لا يساوي مقدار تأثيرهما. الحدث الأول هو الصعود والصراع الذي وقع داخل الكثير من الدول الغربية حول ما يعرف بقضية المثلية الجنسية، وانقسام الرأي العام بين رافض ومرحب.
أما الحدث الثاني فكان ما أقدم عليه أحد المتطرفين فكرياً من العراقيين، الذين يعيشون في السويد حين انتهك حرمة وقدسية القرآن الكريم بطريقة تكشف عن انحدار في الوعي، وعدم فهم لمعنى الحرية في السلوك والأفعال.
الحدثان هذان كانا يمثلان اختباراً للديمقراطيات الغربية، التي طالما صدرت نفسها، على أنَّها تعمل على قيادة العالم نحو مفاهيم ترتقي بالإنسان ولا تتسافل به أو تنحدر.
في موضوع المثلية، فإن الانهماك الحكوماتي الغربي الذي وصل حد حضور الرئيس بايدن لتجمع مثلي، وتبني قضيتهم، فإن الأمر قد فاق حدود التصور في مستوى التهديد الذي يمكن أن يمثله هذا الموضوع، الذي شهد موجات رافضة له بسبب تهديده للنظام الفطري الإنساني، فضلاً عن تشويهه لنظام الأسرة التي تمثل النواة الأهم للمجتمعات. لذلك نقلت لنا وسائل الإعلام مشاهد كثيرة لعمليات حرق لعلم المثلية، أو إنزاله من فوق بيوت ومؤسسات رسمية، مثلما نقلت هذه الوسائل فديوهات لأمهات وآباء يتحدثون فيها بخوف وهلع عن محاولات المتبنين لموضوع المثلية، بإدخال مفاهيمها في مناهج الأطفال الدراسية، وهو ما يمثل بحق انتهاكاً صارخاً وتجاوزاً على الطفولة، من خلال هذه المحاولات القسرية من أجل إدماجهم في مجتمع المثليين، وهو ما يعني أن الأمر لا يتعلق بقيمة ومفهوم الحرية، بقدر ما يعني عملية فرض بالقوة لأمر يمثل سلوكاً ما زال غير مقبول ومرفوضا لدى الكثير من الغربيين.
أما في ما يتعلق بموضوع التجاوز على قدسية القرآن في السويد، فالأمر أيضا يدخل في باب الانتكاسة لمفاهيم الحرية. فمجرد أن محكمة أو سلطة تمنح ترخيصاً للقيام بمثل هذا الفعل، فإن هذا يعني أن الديمقراطية ستكون عاملاً مساعداً في تصعيد نوبات الكراهية والطائفية، بخلاف ما يفترض تبنيه من قبل الديمقراطية في نشر قيم الاحترام للمعتقدات الدينية التي تتبناها الشعوب، فكيف إذا كان الأمر متعلقاً بانتهاك قيمة كتاب مقدس لدى ما يصل إلى ملياري مسلم؟!
لذلك يحق لنا فعلاً أن نصف الحدثين بأنهما انتكاسة للديمقراطية الغربية، لأنَّ ظلال الحدثين، وخلفيتهما وما نتج لاحقاً عنهما، تجاوزت كل الاعتبارات، وجعلت الكثير يراجع مواقفه في تبني المفاهيم، التي تبشر بها الديمقراطيات الغربية منذ سنوات بعيدة.