حياةٌ تحت السيطرة

ثقافة 2023/07/08
...

  محمد المشبك

كان الطفل ديغا مختلفا عن الأطفال البقية في بداية طفولتهِ، لا يتكلم كثيراً، وذا عقلية متفتحة، قوي البنية، ويرمقُ الناظر بتلك النظرة الشريرة الضاحكة، كان أبوه دائماً يصطحبه إلى بيتِ أقربائه، لتعرف على الأطفال واللعب معهم، كان يعنف الأطفال الصغار الذي هم بنفسِ عمره، ويحب أن يأخذ دور القيادة في أغلب الألعاب، يتقمص شخصية المسكين عندما
يكون بالقرب من أمه أو عندما يشكيهُ أحدٌ إلى والديه، لا يملكُ أخوةً أو أخوات ويتصرف كالبالغين في المنزل، مرت السنوات ولا زالت شخصية ديغا نفسها، لكنها اختلفت بعد أن مَّر
في فترة عصيبة خلال سنوات المراهقة، والضغط الهائل من قبل والديه في ما يخص السلوك والتربية الحسنة، حيث تبدلت شخصيتهُ من السيء
إلى الأسوأ، بدأ في تعاطي الممنوعات، وشرب المشروبات الكحولية، والتدخين، لكن على الرغم من أساليبه السيئة كان يواظب على العادات اليومية الجيدة، كترتيب السرير بعد النوم، وتنظيف الأسنان صباحاً ومساءاً، لكن عندما تقدم في العمر لاحظ أبواه أن العادات اليومية التي يداوم على فعلها تزيد بشكل لا يصدق حين بعد حين، حيث كان يقوم بالاستحمام
والدخول إلى المرحاض أكثر من خمس مرات في اليوم، يغسل يديه بعد أن يلمس أي شيء، ويعقم مقبض الباب عند الدخول والخروج إلى غرفته، لاحظ ديغا أن سلوكهُ يزيد عن حده، ولا يمكن السيطرة عليه وبما أن ديغا يعيش في مجتمع قليل الثقافة والاطلاع وعائلته من النوع الذي يصدق الخرافات والأكاذيب، فقرر أن يزور أحد
المنجمين أو السحرة الذي يسميهم "المعالجين الروحانيين"، فأخبرهُ أنهُ مصاب بنوع من السحر أو المّس، ولا بد أن يأخذ العلاجات التي تجعلهُ يتخلص من هذهِ العادات السيئة،
ومقابل أجور باهظة الثمن، استمر ديغا في زيارة "المعالجين الروحانيين" واحد تلو الأخرى، لكن بدون جدوى ولم يطرأ أي تغير على أساليبهِ التي بات تزيد يوما بعد يوم، وشهرا بعد شهر، بالصدفة أخبرهُ أحد أقربائه أنهُ يجب أن يزور أحد الأطباء المختصين بعلم النفس، وألا يصدق كل هذهِ الترهات والأقاويل، فأوصفه له أحد أشهر الأطباء النفسيين وأعطاهُ العنوان، فذهب ديغا إلى العنوان والتقى
الطبيب وتكلم معهُ كثيراً، فتوصل الطبيب إلى نتيجة وبدون أن يخبره بأي شيء.
كتب له مجموعة من المهدئات والمسكنات التي أرهقتهُ جسدياً في ما بعد، بدون أن يحدث أي تغير في سلوك ديغا، وبعد مرور شهر من مراجعة ديغا للطبيب النفسي، وجدتهُ أمهُ مشنوقاً في غرفتهِ، بعد أن عانا الكثير مع مرضّ "الوسواس القهري".