الجهود الصينيَّة لكسر الوحدة الأوروبيَّة

آراء 2023/07/09
...

 هشام داود

 أوروبا المجزأة سياسياً هي أحد المصالح الأساسية بالنسبة للصين، وهو تحول كبير في منظور الصين في السنوات الأخيرة، وفي الواقع ليس سراً أن بكين تفضل التعامل مع الدول الأوروبية بشكل فردي، بدلاً من التعامل معهم على أنهم كيان واحد، حيث تنظر إلى الوحدة الأوروبية على أنها تهديد مباشر لمصالحها، والهدف النهائي هو عزل الدول الأوروبية وإقناعها بالابتعاد عن العمل مع الولايات المتحدة ضد الصين.

إن دعم الحزب الشيوعي الصيني المستمر لروسيا في أوكرانيا، أدى إلى خيبة أمل لدى الدول الأوروبية، في حين كانت العديد من هذه الدول حذرة في البداية من المشاركة في التنافس بين الولايات المتحدة والصين، وبعدها انتهت آمالها في المشاركة مع الصين، بعد زيارة الرئيس الصيني إلى موسكو آذار الماضي، والتي أحدث خلالها الطرفان تغييرات في النظام الدولي لم تشهدها منذ 

قرن. 

الرئيس الصيني ليست لديه نية لإخفاء الطبيعة الحقيقية لتحالفهم على أنه «مهمة سلام»، وهو أمر انعكس بعد ذلك في اجتماع مجلس الاتحاد الأوروبي، الذي نشأت خلاله مخاوف حقيقية بين القادة الأوروبيين بشأن العلاقة الصينية الروسية، التي تتمثل أهدافها الأساسية في تطوير المجالات العسكرية والسياسية والأيديولوجية، مما دفع الكثيرين إلى إدراك أن الصين متطفل غير مرحب به في الأمن.

استجابة لهذا الوضع، يقوم الحزب الشيوعي الصيني بتكييف جهوده في العلاقات العامة للتحريض على الاضطرابات داخل الاتحاد الأوروبي، وذلك بهدف تقويض النظام الدولي الحالي، ويستهدف هذا الحزب الآن الجماعات السياسية الهامشية والمرشحين على جانبي الطيف السياسي، ويشجعهم على عدم الثقة في حكوماتهم ورفض العضوية في المنظمات الدولية، مثل حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، ولا تزال الدول الأوروبية مترددة في تجنب التورط في تبادل إطلاق النار بين الصين والولايات 

المتحدة. 

ومع ذلك هناك اعتقاد متزايد بأن التعاون الاقتصادي غير المقيد مع الصين قد وصل إلى حدوده، حيث يركز القادة الأوروبيون الآن على التنويع والمرونة والحد من المخاطر، وعلى الرغم من اعتراف الكثيرين بالتحديات، التي تفرضها الصين إلا أن مدى التوافق بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة في المنافسة الستراتيجية الأوسع لا يزال غير مؤكد، ولا تزال هناك اختلافات كبيرة في الرأي داخل أوروبا وبين أوروبا والولايات المتحدة في ما يتعلق بحجم وإلحاح التهديد الذي تشكله الصين.

تشير التحركات الصينية المتغيرة تجاه أوروبا وتركيزها على المشاركة الفردية مع الدول الأوروبية، إلى ستراتيجية متعمدة لإضعاف الوحدة الأوروبية، تجد أوروبا نفسها على مفترق طرق تتصارع مع محاولات الصين لتقويض وحدتها، بينما تواجه في الوقت نفسه تحدي حماية مصالحها وقيمها أثناء التنقل في تعقيدات التنافس الأمريكي الصيني.

 ينظر الحزب الشيوعي الصيني للوحدة الأوروبية على أنها تهديد لمصالحه، نظراً لأهمية أوروبا أن بقيت موحدة في مواجهة نفوذ الصين ومحتفظة بالقيم الأوروبية المشتركة، ناهيك عن الأهمية الستراتيجية للحفاظ على التحالفات عبر الأطلسي، وبينما تسعى أوروبا للانتقال في علاقتها مع الصين، فإنها تواجه اعتبارات جيوسياسية معقدة وانقسامات محلية، حيث يتطلب تحقيق التوازن بين المصالح الاقتصادية والمخاوف الأمنية والحفاظ على القيم والمبادئ، نهجا دقيقا ومنسقا، وسيلعب التحالف عبر المحيط الأطلسي بين أوروبا والولايات المتحدة دوراً حاسماً في تشكيل النشاط المستقبلي للعلاقة بين الولايات المتحدة والصين وأوروبا، وستحدد مواءمة التصورات والسياسات بين أوروبا والولايات المتحدة في مواجهة التحدي الصيني فعالية الاستجابة لمحاولات الصين لكسر الوحدة الأوروبية وتقويض المؤسسات الدولية.