بشير خزعل
أحد أسباب اخفاق الانتاج الوطني هو حيرة المصانع في اعادة بناء نفسها بمايتلاءم والتطور العلمي والتكنولوجي الحديث، فلا المستثمرين يجدون فيها فرصا واعدة بسبب التعقيدات البيرواقراطية التي تواجههم، ولا الدولة قادرة على تبني إعادة بنائها وتشغيلها.
الزراعة لدينا ما زالت تنتظر الأمطار، إن هطلت بمستوى جيد، تتم زيادة مساحات الاراضي المزروعة، وإن قلت تنحسر المساحات، وهو اجراء في حد ذاته غير علمي ولا منطقي، في ظل وجود مياه تهدر وتلوث في نهري دجلة والفرات بشكل يفوق الخيال، فتغيير المناخ ليس في العراق فقط بل في اغلب دول العالم، لكن اغلب تلك الدول وضعت خططا بديلة عن الاستمرار في ادامة عجلة إنتاجها الوطني، ولم تتوقف أمام مشكلة نقص المياه، فليس جميع الدول بها أنهار.
لكن سبب نجاحها أنها تمتلك إدارة ناجحة في ادارة استثمار المياه، وتبتكر اساليب متنوعة لاستثمار المياه وحصادها واستغلال المدور منها في حين يفتقدها العراق بشكل كبير، ومع أن أغلب الصناعات المحلية العراقية ترتبط بالواقع الزراعي، تراجعت الصناعة الوطنية إلى مستويات مخيفة، واغلقت
مصانع كثيرة أبوابها أمام منافسة المستورد، ولم ترقَ إعادة تنظيم ادارة ناجحة على مستوى عالٍ من التخطيط والتنفيذ لمجمل الوضع الصناعي والانتاجي في الدولة العراقية على مدى
عشرين عاما مضت وما زالت، وأصبح الاستيراد بديلا وحلا أمثل، لواقع حال لا يريد أن يتخطاه العراق على مر الحكومات التي تناوبت خلال السنوات المتعاقبة، رسم السياسية الاقتصادية لا يعني بمسماه الحقيقي الاستثمار في مشاريع خدمية، بل يشمل تشغيل وبناء مصانع عملاقة تسد حاجة الدولة من جوانب كثيرة، وهذه العملية بحاجة إلى تخطيط خبراء متمرسين، وليس إلى اجتهادات آنية تنتهي مع انتهاء فترة الوزير أو المدير، وحده التخطيط برؤى ستراتيجية واقعية.
لسنوات مستقبلية محسوبة من مختلف الجوانب، التي تخص الواقع الاجتماعي للشعب، يمكن ان ينجح في بناء مقومات اقتصاد حقيقي لدولة حقيقة، اما البقاء في دائرة النظرة الضيقة القائمة على حل الازمات ترقيعا بحلول وقتية تتحول إلى واقع حال دائم، فهذا ما يشل الدولة من ان تنهض وتعيد بناء سياستها الاقتصادية بشكل صحيح وناجح، كدولة وحكومة آن الأوان لتفكر بشكل علمي لرسم سياسية اقتصادية واضحة المعالم بعيدا عن الاجتهادات الشخصية التي اثبتت فشلها طوال عشرين عاما
مضت.