سعد العبيدي
ظل التعليم في العراق ومنذ بداية تأسيس الدولة عام (1921) متعقباً في سيره ما يجري في العالم الآخر نظرياً وتطبيقياً، وإن لم يكن قريباً منه لاعتبارات الثقافة والقدرة ومتانة البنى التحتية، وفي مجاله وبعد عشرات السنين أعطى المعنيون بإدارته دفعات للتعليم المهني (الصناعي والزراعي والتجاري) مقبولة في وقتها.
وشجعوا الدولة على إنشاء معامل وصناعات وورش ومزارع ومختبرات، لسد جزء من الحاجة المحلية، ودعم عجلة الاقتصاد، واستيعاب خريجي هذا النوع من التعليم، كادراً وسطاً ما قبل التعليم الجامعي، كونه مهماً لنمو المجتمع، ومهماً لتأمين العمالة الماهرة في عموم المجالات، أهمية أدركتها الدول فوضعت ضوابط لدخول الجامعات، وسهلت التوجه لهذا النوع من التعليم المهني ووضعت شروطا لممارسة المهن في أن يكونوا خريجين هذا التعليم أو ممن اجتازوا دورات تدريب تخصصية، وحصلوا على شهادة في المجال.
لكن هذه الآلية للتدرج في المستوى التعليمي وتأمين الحاجة واستيعاب الشباب، قد توقفت تماماً بعد (2003) وكأن العراق قد انفصل عن العالم في قضايا التعليم، فأهمل التعليم المهني، وفتح الأبواب على مصاريعها إلى التعليم الجامعي الأهلي المشكوك برصانته، وغير المناهج تبعاً لأهواء السياسة والمال، وعزز في عقل الشباب القيمة الوهمية للشهادة الجامعية، ورقة مكتوبة دون الحاجة إلى وزنها بكم التحصيل، وبالنتيجة بدأت الجامعات تضخ مئات الآلاف من الخريجين سنوياً، لا يمكن استيعابهم في مؤسسات الدولة التي تضخمت من كثر التعيين السياسي، وبدأت مستويات الضجر من الوضع القائم تزداد، وبدأ الانتقاد وعدم الرضا بين الشباب تتضاعف شدته، قنابل نفسية موقوته، صنعها النظام التعليمي السياسي القائم على المصلحة الحزبية دون مراعاة مصلحة الدولة والمجتمع... حلها وإن لم يكن سهلاً ولا سريعاً في أن يتم البدء في إعادة النظر بالعملية التعليمية، وضعها على السكة العلمية الصحيحة قريبة من تجارب العالم الآخر، إذ إن البقاء على هذا الحال تغريد خارج السرب العلمي ستطول سهام أضراره البلاد من شمالها إلى الجنوب.