حميدة العربي
تحتل السينما الهندية مكان الصدارة العالمي، في إنتاج وتوزيع الأفلام وتتفوق على هوليوود بعدد مشاهديها حول العالم، إذ يتابعها الملايين، يومياً في جميع القارات، فضلاً عن شبه القارة نفسها، إذ نجحت في كسب جمهورها، بتنوعها وتعدد اتجاهاتها ومواضيعها، من خلال تقديم قصص وحكايات مشوقة وعرض العادات والتقاليد الشعبية المتفردة، إضافة إلى الفولكلور، والموسيقى، والغناء، والرقص الاستعراضي الفريد، الذي تفردت به وأبدعت في تطويره. ويشكّل النجوم أحد أهم العناصر الجاذبة والرابحة في صناعة السينما الهندية، إذ توجد شروط دقيقة وقاسية لاختيار النجم، أو النجمة، رغم أن شباك التذاكر يبقى الاختبار الأساسي الذي يرفع الممثلة، أو الممثل إلى صفوف النجوم. ويصل حب الجمهور لنجومه إلى حد التعلق والتقديس، فهم يشاهدون أفلامه، ويتابعون حياته ونشاطاته الاجتماعية، وتحركاته، ولقاءاته، ويقلدون أزياءه وتسريحة شعره، بل ويراقبون سلوكه وأحاديثه، لذا يحرص النجوم على الظهور بأحسن صورة سواءً في المظهر، أو السلوك.
ومن الظواهر الفريدة من نوعها، ولا توجد في السينما الأميركية، أو الأوروبية وغيرها، أن أسماء كبار النجوم والنجمات لا تظهر على الملصقات الدعائية لأفلامهم، فقط يكفي ظهور صورهم على ملصق الفيلم ليتهافت عليه ملايين المشاهدين.
فمثلاً اميتاب النجم الأشهر في تاريخ السينما الهندية، تخطى النصف قرن في مسيرته الغنية بالأعمال المهمة، له ملايين المعجبين حول العالم، يتجمهر حوله الناس أينما حل، يلقبونه في الهند بالأسطورة، ومكانته راسخة لم تتغير، بل أصبح أيقونة السينما وعرابها، رغم تقدمه في السن وظهور العديد من النجوم الموهوبين، ففي العام 1982 عندما تعرض لإصابة خطرة أثناء تصوير فيلم "كولي" كانت هناك طوابير طويلة ترابط خارج المستشفى، حيث يرقد، حاملة الزهور، وأخرى تقيم الصلاة في المعابد وتقدم النذور، والبعض تطوع للتبرع بأحد أعضائه. ومن يومها، وحتى الآن، اعتاد أن يظهر كل يوم أحد أمام منزله، المسمى "جلسة"، ليحيي حشود الجماهير المزدحمة، ويشكرهم ويلتقط الصور، وهذا التقليد سار عليه الكثير من النجوم، الذين جاؤوا بعده مثل شاه روح خان، الذي اكتسح الساحة الفنية منذ التسعينيات، وأصبح نجم بوليوود المحبوب شعبياً والمفضل عند صناع السينما، فضلاً عن كونه الشخصية الأكثر تأثيراً في صناعة السينما حالياً، له ملايين المعجبين في العالم، حتى أن منزله "منّات" تحول إلى وجهة سياحية في الهند، يغشاه الزوار من جميع أنحاء العالم، فيخرج على الشرفة ليحييهم، أو يدلي بتصريح، أو يقدم التهاني بالمناسبات. ويتفنن المعجبون بطرق التعبير عن إعجابهم، فهؤلاء سائقو التكتك يخفضون الأجور لكل المعجبين بسلمان خان، وآخرون يأتون على الدراجات الهوائية من ولايات بعيدة جداً، لرؤية عامر خان والتقاط صور معه، بينما يرابط آخرون في المطار، في حالة سفر أو وصول نجمهم المفضل، وقد يبدو غريباً احتفاء محبي النجمة سري ديفي بذكراها ويقيمون عروضاً سنوية لأفلامها، على الرغم من رحيلها منذ عدة سنوات، النجمات الهنديات، لهن مكانة كبيرة ومحبة راسخة، تمتد حتى بعد اعتزالهن، منذ الأربعينيات والخمسينيات بدءًا من نرجس، وثريا، ومينا كوماري، ومادوبالا التي كان الجمهور يحتشد أمام الاستوديوهات لرؤيتها، ويتزاحمون حول سيارتها التي تشق طريقها بصعوبة. في سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي، صارت هيما ماليني فتاة أحلام الشباب، فاكتسحت أفلامها شباك التذاكر، وصورها في كل مكان، حتى أنهم غفروا لها ارتباطها بدارامندرا، كزوجة ثانية ـ وهو أمر غير مقبول عندهم ـ لكنهم، لمحبتهم لها، تغاضوا عنه واعتبروه مسألة شخصية. كما أن بعض النجمات لهن من المعجبات أكثر من المعجبين، وذلك بسبب الأدوار القوية التي يقدمنها، لصالح قضايا المرأة، مثل النجمة تابسي بانو التي تتجمع حولها النساء والفتيات في كل مكان للتحدث معها أو لالتقاط الصور، وأحياناً لايصال بعض التوصيات أو الشكاوى والطلبات، ليصبح الممثل حلقة وصل بين الجمهور وصناع القرار. كما أسهمت شعبية بعض النجوم في دخولهم المعترك السياسي، وحصولهم على مقاعد في البرلمان مثل راجيش كنّا وفيجنتي مالا وجايا بهادور وزوجها أميتاب الذي فاز بأعلى نسبة فوز على الإطلاق، في الهند، وهي 68.2 ٪ وبعضهم تم تجديد عضويتهم لمرتين مثل نرجس وزوجها سونيل دات. ويستمر تعلق الناس بالنجوم رغم اعتزالهم وتفرغهم للسياسة، إضافة إلى اهتمام الدولة بالفنانين ومنحها أرفع الجوائز والأوسمة للمبدعين منهم وكذلك السلطات المحلية التي تطلق أسماءهم على الشوارع والساحات والمعاهد الفنية وتُصدر كل عام طوابع بريدية تحمل صور مجموعة من نجوم الفن، تخليداً لهم.
ورغم تطور التكنولوجيا، كالفضائيات ووسائل التواصل، والتي أسهمت في سرعة الانتشار وسهولة الشهرة، إلا أن الجمهور الهندي يتمسك بشروطه وتقاليده للاحتفاء بنجومه، متابعاً ومراقباً ومقيّماً لأدائهم ومستوياتهم ونشاطاتهم، ويفتخر بهم باعتبارهم جزءًا مهماً من النسيج الثقافي، يؤثرون بشكل مباشر في صناعة ذاكرته وذائقته الفنية، ويشكلون بالوقت نفسه، واجهة البلد الحضارية وإحدى قواه الناعمة.