{صبي من الجنة}.. افتراء أم كشف عن المستور؟

ثقافة 2023/07/10
...

علي حمود الحسن

شاهدت بعد ترقب على شاشة "سينمانا" الفيلم المثير للجدل "صبي من الجنة"(2022) للمخرج السويدي المصري الأصل طارق صالح، الذي فاز بجائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان1976، إذ هاجمه صناع سينما ونقاد عرب، لاعتقادهم أنه أساء إلى مقام الأزهر الشريف وافترى عليه، فقاطعه المصريون ومنعوا عرضه في مصر، بينما دافع المخرج عن فيلمه الذي صوره في تركيا بممثلين عرب، لأنه أصلاً ممنوع من دخول مصر، بسبب انتقاده للمؤسسة الأمنية المصرية في فيلمه المشوق "حادثة النيل هيلتون" المستوحى من مقتل فنانة وعلاقتها برجل أعمال مصري، فضلاً عن انتقاده لرجال الأمن المصريين واتهامهم بالفساد.
بأسلوب تشويقي مثير يسرد طارق صالح يوميات آدم (الفلسطيني برهوم توفيق) الصياد الفقير والغرير، الذي قدم من قرية ريفية في شمال مصر إلى القاهرة بعد حصوله على منحة للدراسة في الأزهر، ليتفاجأ بوفاة الشيخ الأكبر أثناء استقباله الطلبة الجدد، فيتبارى شيوخ الأزهر على اختلاف مرجعياتهم للظفر بالمنصب، فمنهم السلفي والإخواني والمعتدل، بالمقابل هنالك رجال السلطة اللاعب الأخطر والأكثر عنفاً، الذين لا يريدون إماماً غير مضمون الولاء، هذا الموضوع الإشكالي غير المسبوق، الذي لا يقترب منه السينمائيون المصريون، إلا ما ندر، استلهمه صالح الذي كتب السيناريو للفيلم من الرواية الشهيرة والمثيرة للفيلسوف الإيطالي أمبرتو ايكو "اسم الوردة"، التي تتحدث عن راهب تنويري حذق يحقق في جرائم  متتابعة في دير من القرون الوسطى، وفعلاً بدت ظلال الرواية والفيلم المقتبس عنها واضحة في الفيلم، ليس هذا حسب، إنما ثمة مشاهد تكاد أن تكون متطابقة مع مشهد اختيار البابا في فيلم "البابوان" (2019) للمخرج البرازيلي فرنادو ميريليس، إذ نرى شيوخ الأزهر الذين يقتعدون طاولة مستديرة، ويتناول كل واحد منهم ورقة يكتب فيها اسم المرشح، فتوضع في خابية فخار، يستل منها الأكبر سناً الاسم الفائز، وقد تبدو مفارقة أن يجد المشاهد أثر أفلام كلاسيكية، وأخرى معاصرة في البناء الفني للفيلم، وعلى الرغم من أن أبطال الفيلم الرئيسين ومنهم آدم(الفلسطيني)، وابراهيم (اللبناني فارس فارس) لم يكونوا مصرين بل إنهم سويديون، إلا أنهم قدموا أداءً جيداً، وخصوصاً آدم بدور الشاب الصياد المدقع في الفقر، الذي كان يظن أنه نال المراد بالذهاب إلى مصر أم الدنيا والدراسة في أزهرها الشريف، لكنه صدم في رحلة أقرب إلى التطهير العكسي، يكتشف أن عالمه المرتجى في العلم والإيمان، هو محض صراع ومؤامرات وقسوة، فكانت عودته إلى قريته ليعمل صياداً في البحر ولادة جديدة، لكن هذا لا يمنع اغتراباً ليس فقط في لهجة الممثلين، إنما في موقع التصوير، فمعمار أزهر الفيلم (العثماني) غير معمار الأزهر "الفاطمي"، نجح الفيلم في عروضه الأوروبية، ولا أمل في عرضه عربياً في المدى المنظور.