هل التشاؤم نتيجة وعي السارد؟

ثقافة 2023/07/11
...

 أحمد خلف


قبل الدخول في قراءة نصوص ميثم الخزرجي، لا بدَّ من التأكيد ثانية أننا سبق وقلنا في أكثر من مكان، في الحوارات التي أجريت معنا أو المقالات التي كتبناها كمديح للقصة القصيرة في العراق، إنّها سوف تستعيد مجدها الحقيقي الذي تمتعت به منذ ستينيات القرن العشرين وحتى اليوم اذ تولد أجيال أكَّد بعضها ألا مفر من الحفاظ على الإرث القصصي الذي أنجزه الآباء ليستفيد منه الأبناء، القصة القصيرة اليوم بدأت استجابتها كفن سردي متقدم تصبح حقيقة ملموسة من دون أفول لها لأي سبب.

تخترق قصص ميثم الخزرجي وعي المتلقي، وتقدم نفسها على طبق من سيل المفردات المنتقاة بعناية ملموسة، إن الهم البارز في القصص هو هم ذاتي/ جمعي والخطاب يتوزع بين الأنا والهُم، ويحرص القاص على إعطاء فكرة جيدة عمّا دار في مجال حدوث الحدث ((... ما إن تعمّد عمر المدينة بيوم آخر قابل للزوال ليدخّر في خزائن الرب بكل ما اعتزمته نوايا الغارقين في هوس الحياة، هيأ مرهون الحمَّال عربته العتيدة وراح يوغل في مداخل السوق التي ما انفكّت عنها جلبة المتبضعين، علّه يلتفت اليه الحظ بإيماءة من أحدهم.. من قصة: مصادفة لا يقبلها الصفح))، وينتقي ميثم شخوصه من الناس القريبين منه أو أولئك الذين تعرفنا عليهم وعلى مهنهم على الرغم من أنها مهن بعيدة عن اهتماماتنا، الرسام الذي يحاول معالجة لوحته لأنّه يعجز عن تنفيذها كما يريد، والحمّال الذي يذكرنا بحمّال بغداد في ألف ليلة وليلة، لكنه حمّال أو رجل تخونه رجولته كما نرى أن الخيبات المادية والمعنوية تلاحق أبطاله سواء في قصص متفرقة أو في مجموعة بريد الآلهة التي من إصدارات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، ويغلب عليها طابع سوداوي شفيف ويكاد يصبح هو الطابع المهيمن على ايقاع القصص كلها ((ينعتني أصدقائي بالمتشائم وأنا أنظر لنفسي اقل شأناً لكني لا اظهِرَهُ للعلن ربما لسوء الطالعِ الذي بكّر لي إزاء كارثة حريق منزلنا بأكمله والذي تزامن مع ولادتي هذا ما توعدني بالشؤم، أسكن وحدي في إحدى نواحي العاصمةِ في بيت هو الآخر يشكو العزلةَ، توفيت والدتي بعد صراع مرير مع المرضِ والذي لم يُمهلها طويلاً، بقيتُ أنا وشقيقتي بلقيس والتي تزوجت وسافرت مع زوجها مجاراةً لعملهِ، اعتدتُ على وحدتي أو ربما جُبلتُ عليها - من قصته الفائزة بجائزة عربية بعنوان: عين الجحيم)). ويكاد هذا الذي يطالعنا في الأسطر الآنفة يصبح طابعا يسود القصص كلها، والسارد هنا يقول - ينعتني بالمتشائم - ونحب ان نؤكد ان الاحساس الذي يحمله ابطال نصوص ميثم الخزرجي، ليس مدعاة للتشاؤم انما غالبا ما يكون نتيجة للوعي الذي يحمله البطل السارد تجاه الحياة التي يعيها بكل تفاصيلها، والحق يستطيع متلقي النصوص العثور على ضالته إذا ما قرر أن يضع اليد على ادراك الشخوص، إن الحياة التي يحياها ابطال قصص ميثم هي الحياة التي ضيّعناها في العيش، على حد تعبير الشاعر الانكليزي الشهير- ت س اليوت - ولعلنا يمكن أن نكتفي بما اقتطعناه من النصوص، ذلك انها تشي بما نراه حق في ان قاصنا الشاب استطاع ان يقنعنا كمتلقين لنصوصه بمقدرته الجلية في إدارة دفة السرد ببراعة متميزة، وهو بهذا السرد الغني بالمشاهد والصور المتتابعة التأثير في نفوس المتلقين، انما يقدم نفسه كنموذج متمرس ومتقدم في ما يكتب.