الاختبار التنافسي في الدراسات العليا

آراء 2023/07/11
...







 د.اسماعيل موسى حميدي


الاختبار التنافسي للمتقدمين للدراسات العليا، يمثل حلقة مفصلية مهمة بين الدراسة الاولية والدراسة العليا، فمن خلاله يتم اختيار الفئة الطلابية المناسبة بعد اجتيازهم هذا الاختبار، ليمثلوا النخبة الطلابية التي تميزهم عن أقرانهم بالمهارات والقدرات المعرفية، ليدخلوا ضمن برنامج الدراسات العليا، الذي تتوقف رصانة التعليم العالي على طبيعة مخرجاته من باحثين وتدريسيين في الجامعات والمؤسسات البحثية المختلفة، وبحسب طبيعة الضوابط المدروسة التي تحكمه، وفق قرارات سليمة تناسب البيئة التعليمية في العراق، منبثقة من واقع حاجات التعلم والخبرات المتراكمة لذوي كل تخصص علمي. وعليه لا بد أن تكون ضوابط (التنافسي) منسجمة ثابتة غير متحيزة أو متغيرة نتيجة الاهواء والامزجة ووجهات النظر المتعددة، لأن تغيير الضوابط بصورة دينامية واطلاق التسهيلات العشوائية، سوف يضعف برنامج التعليم العالي ليكون على حساب جودة التعليم وطبيعة اختيار النخبة من الطلبة المتقدمين لهذا البرنامج، وللأسف ما نشهده هو كثرة الاجتهادات وتخبط الضوابط التي تستميل الأمزجة وتجامل المشاعر.

وهكذا تثار مع بداية كل موسم دراسي مجموعة تساؤلات عن التفاصيل والشروط الجديدة تتم من خلالها عملية القبول، من الغاء شرط النجاح من عدمه واستحداث قنوات قبول جديدة على حساب الكم لا النوع، وإعادة المرقنة قيودهم وتسهيلات النجاح.. الخ.

طبيعة الأسئلة وطريقة إعدادها يجب أن نتوقف عندها ايضا، إذ ان نسبة النجاح في الاختبار التنافسي لهذا العام منخفضة جدا، وكما هو الحال في الاعوام السابقة. ولو قارناها مع نسب النجاح في الدراسة الاولية «البكالوريوس» في مراحلها المنتهية في تخصصاتها المختلفة لوجدناها دون مستوى مقارنة، لأن أغلب الكليات تكون فيها حالات الرسوب شبه منعدمة، وهذا يقودنا إلى أن اعداد اسئلة الاختبار التنافسي، لم تخضع إلى المعايير الصحيحة من تحليل فقرات الاختبار، والتأكد من معامل الصعوبة والسهولة فيها، وكذلك فعالية البدايل الخاطئة في فقرات الاختيار من متعدد، فضلا عن طبيعة التصحيح غير الموضوعي التي تتأثر بذاتية المصحح في أغلب الأحيان. وعليه اقترح مجموعة مقترحات تخص الاختبار التنافسي، لعلّها تضع شيئا من الصواب أو تقلص من فجوة الاستنكار التي تثار كل سنة، وهي كالآتي: 

1 - اختصار قنوات القبول للمتقدمين للدراسات العليا على قناتين فقط، هما القبول العام او القبول الخاص، مع اعطاء (5) درجات كامتياز لذوي الشهداء أو ذوي مؤسسة السياسيين والسجناء وغيرهم من القنوات الاخرى للمستحقين.

2 - جعل شرط النجاح من الثوابت في الاختبار التنافسي وجعل نسبة النجاح(60 %) ولكل التخصصات العلمية والانسانية.

3 - الغاء فكرة توسعة المقاعد، لأن فكرة الدراسات العليا قائمة على اختيار النخبة (المتميزين) اما من لم يحالفه الحظ فستكون الفرص سانحة أمامه في السنوات المقبلة، وعليه اعادة تأهيل نفسه واعدادها من جديد، ليكون بمستوى علمي يوازي القدرات المعرفية والمرحلة الدراسية.

4 - إلغاء فقرة اعادة المقرنة قيودهم، لأن من ترقن قيده قد خرج من النخبة، وهو خارج مستويات الابداع الذي هو مسعى الدراسات العليا.

5 - اقتصار أسئلة الاختبار التنافسي على الاسئلة الموضوعية فقط (مثل الاختيار من متعدد، ملء الفراغات بكلمة أو أكثر، الصح والخطأ مع تصحيح الخطأ، اسئلة المزاوجة الذكية، الاسئلة المقالية محددة الاجابة) مع مراعاة عوامل الصعوبة والسهولة وفعالية البدائل، وإعطاء مساحة واسعة فيها من التفكير والاستنتاج وتضمينها جميع مستويات( بلوم ) المعرفية، من خلال زيادة عدد البدائل في الاختيار من متعدد،وتصحيح الخطأ، وملء الفراغات بأكثر من كلمة وغير ذلك.

6 - التأكد من صدق وثبات الاختبارات من خلال اطلاع الخبراء على عينة منها وتطبيقها على عينات استطلاعية.

7 -جعل التصحيح الكترونيا وآنيا ضمن برامج محوسبة معدة لذلك.

وبذلك تكون الاختبارات اقتربت من الاسئلة المقننة من حيث البناء، ويضمن بها المتقدمون حقوقهم، وستكون نسب النجاح فيها تعادل (50 %) في أضعف تقدير. وأخيرا نقول، ثبت بالتجربة، أن التعامل مع الانظمة الثابتة أو الراكزة هو أقرب طريق للموضوعية وتحقيق الجودة والاداء والرصانة، من خلال جعل الثوابت محكًا يتهيأ الافراد للوصول اليه، من خلال بناء أنفسهم بالمثابرة والسعي والاجتهاد، وهذا ما اجده موضوعيا للمتقدمين للدراسات العليا من طريق برنامج ثابت على وفق مساحة المتطلبات والضوابط غير المتحيزة، التي تكون بمثابة الهدف الذي تجعل الجميع ينطلقون إليه.