صورة المرأة التي لا تُقهر

ثقافة 2023/07/12
...

علي العقباني

منذ أن أخذت السينما الطابع الجماهيري الكبير والانتشار الواسع في العالم سواء في أميركا أو أوروبا، عملت شركات الإنتاج الكبرى في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين على صناعة (أسطورة المرأة) من خلال أفلام تتنافس في بطولتها مارلين ديتريش وغريتا غاربو، حدث ذلك بشكل واضح في المرحلة التي شهدت فورة إنتاجية ترافقت مع انتشار الأفلام الناطقة، تلك الأفلام عملت بشكل واضح على رسم صورة المرأة التي لا تقهر، جميلة، قوية ساحرة، مؤثرة، والتي يتضاءل أمامها الرجال، على غرار البروفسور أونرات في فيلم (الملاك الأزرق) حيث يفقد اتزانه كمعلم، حينما تغويه الراقصة (لولا.. لولا) مارلين ديتريش ويفقس على رأسه البيض وهو يصيح كالديك: كوكوريكو.

 واستمر المخرج جوزيف فون سترنبرغ في العمل مع مارلين ديتريش في هوليوود. وأكد في أفلام كثيرة على أدوارها التي تمثل المرأة التي يتساقط أمامها الرجال، فقدمها في فيلم (مراكش) وهي ترتدي ثياب الرجال، وأعطاها دور جاسوسة في فيلم (بلا شرف) وفي (قطار شانغهاي السريع) ظهرت مارلين في أجواء غريبة محاطة بشخصيات غامضة، وهي تتزين بشكل غير مألوف، وتتابعت أفلامها التي تؤكد على الشخصية التي رسمها لها المخرج، كما في (فينوس الشقراء) و(الإمبراطورة الحمراء) عن الإمبراطورة الروسية كاترين، وبلغت مارلين قمة مهارتها في أداء دور المرأة التي تغوي الرجال وتحطمهم في فيلم (المرأة والمهرج) عام 1935.
منذ موت مارلين مونرو ( وقعت نورما جين عقداً مع شركة فوكس بأجر أسبوعي مقداره خمسة وسبعون دولاراً، قبل أن يتفق معها مدير إدارة الممثلين على تغيير اسمها إلى مارلين مونرو)، أو انتحارها الغامض، في 3/8/1962 لم تنقطع الشائعات عن سر هذه الفاجعة الفنية، وذهبت الشائعات بعيداً في البحث عن سر هذا الموت المفاجئ وأشارت أصابع الاتهام إلى أكثر من جهة، غير أن الكاتب المسرحي آرثر ميلر الذي عاش مع مارلين مدّة من الزواج بدأت عام 1956 وانتهت بالطلاق عام 1960 وكتب عنها مسرحيته الشهيرة (بعد السقوط) عام 1964 رسم ملامح شخصية مارلين الغارقة في الكآبة فقال عنها: (غالباً ما كانت تبدو كئيبة، وتحاول أن تقنع الجميع بأنها سعيدة، ولكنني لم أقتنع. فقد كانت تبدو منهارة، ولكنها تملك قدرة غير عادية على إخفاء مشاعرها، ولم يكن باستطاعتها معالجة الكآبة، وفي طفولتها أسيئت معاملتها، وظلت تحت تأثير هذه الحالة طيلة حياتها، كانت فرحاً عظيماً وعذاباً، لأنها كانت مريضة دائماً في المدّة التي كنا فيها معاً، وقد ماتت نتيجة لمعاناتها، ولكنها لم تكن تحتمل المعاناة، لهذا يجب أن تكون أسطورة، وما زالت أسطورة. إن شخصيات الأساطير أو الحكايات لا تشعر بالألم، ومع ذلك لا أجد أحداً عانى أكثر منها، لكن الآخرين كلهم كانوا ضدها، كأنهم لم يستطيعوا أن يتحملوا معاناتها).
أما غريتا غاربو التي كانوا يطلقون عليها لقب (لغز هوليوود)، فقد أحبت الممثل والمخرج السويدي موريس ستيلر الذي اكتشفها وسافر معها إلى هوليوود عام 1925، ولكنه مات مبكراً عام 1928، وكانت الصحافة الفنية تكتب عن الحب الجديد بين غاربو وزميلها جون غلبرت الذي ظهر معها في (الجسد والشيطان) و(الملكة كريستينا)، وحينما ظهرت مع الممثل المكسيكي الأصل رامون نوفارو في فيلم (ماتاهاري) عام 1931 أشاعت الصحافة عن زواجهما الوشيك، وانتقلت الشائعات بعد ذلك لتحكي عن حب جديد بين روبرت تايلور وغريتا ولكنها تزوجت من الموسيقار ليوبولدسوكوفسكي.
منذ بدايات الحياة الفنية للنجمة الأكثر شهرة، غريتا غاربو( 1905 - 1990) كانت شخصيتها تلتف بستارة من الغموض الذي أعطاها نوعا خاصا من السحر والجاذبية والانطواء، وكانت الشائعات تطاردها من وطنها الأول، السويد، إلى هوليوود، حيث لمعت في نحو خمسة وثلاثين فيلما صامتا وناطقا، قصيرا وطويلا، على مدى عشرين عاما.
وكما يرى الكثير من نقاد السينما الأمريكيين فإن غريتا كانت امرأة متحفظة، تميل إلى العزلة، فلم تكن مارلين كذلك، امرأة فاتنة منفتحة منطلقة ومثيرة،  ويذكر أن غريتا اعتزلت التمثيل باكراً عام 1941 خوفاً من تشويه صورتها لدى ملايين المعجبين بها.
كانت غاربو تمثل رمزاً للجمال الذي يفرض وجوده على المشاهدين أما مارلين ديتريش فإنها تشكل الإثارة الجسدية، في كل أدوارها، منذ تألقها في الفيلم الألماني الناطق الأول (الملاك الأزرق) 1930 الذي اقتسمت فيه البطولة مع اميل ياننجز وكانت مثالاً صارخاً للإثارة، التي أخذت أشكالاً أخرى بعد رحيلها إلى هوليوود، ويتذكر هواة الأفلام القديمة أغنيتها في فيلم (الملاك الأزرق) التي تقول:
احذروا النساء الشقراوات
فأنا مخلوقة للحب
من الرأس إلى أخمص القدمين.