د.عبد الواحد مشعل
تمثل إشكالية ربط البحث العلمي بالتنمية من أهم المسائل الراهنة، التي تشغل الأوساط العلمية والمخططين، لمعالجة مشكلات الإنسان العراقي، من أجل وضع ستراتجية علمية للنهوض بالواقع العراقي في المجالات المختلفة، من خلال تهيئة الأجواء الملائمة لتطبيق البحث العلمي وجعله يأخذ مجاله التطبيقي، اذ تعد قدرة من الباحثين من الانتقال من المجال النظري والتجارب الميدانية والمختبرية من اهم الشروط العلمية، لعملية التصاق نتائج الابحاث العلمية بواقع المجتمع وظواهره المختلفة بشكل ملائم
ولعل هذا يمثل أهم اشكالية جدلية العلاقة بين البحث العلمي والتنمية في المجتمع، فلا تزال المعضلة التي تحكم ذلك تعرقل معظم الجهود البحثية، وتحول دون تحقيق خطوات ملموسة في دعم حركة التطور العلمي في
مجتمعنا العراقي المتغير، الذي يحتاج إلى تشخيص علمي دقيق للمشكلات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والنفسية من جهة، ومعرفة الظروف المشجعة لتطوير الحقل الزراعي وفي وضع الأسس الراسخة لبناء صناعة وطنية تلبي حاجة المجتمع، وتحد من الاعتماد على الخارج، وما زاد في
تعقيد ذلك،غياب الإجراءات المتخذة من قبل الجهات التنفيذية للاستفادة من نتائج دراسات وأبحاث الجادة التي تقوم هنا وهناك، إذ إن معظمها تبقى على الرفوف لا يطلع عليها أحد، مما يولد لدى الباحثين الشعور بالإحباط واليأس، ما يجعلهم يحصرون اهدافهم في الحصول على الشهادات أو الترقيات
العلمية أو المشاركات الشكلية في المؤتمرات والندوات البحثية، لتسجيل نشاطات فردية أو وسيلة لرفع مكانة المؤسسة التعلمية في تصنيفات الجودة عالمي، وهي في الأساس تبدو شكلية لا قيمة لها، اذا ما تقترن بالجانب التطبيقي وتاخذ مسارها في التطور الحضارات ونقل المجتمع إلى الامام، حتى تحول البعض من الباحثين إلى موظفين ينتظرون مرتباتهم الشهرية.
وهو على العكس ما هو معمول به في المجتمعات المتقدمة، التي يكون فيها الباحث والمبحوث معا منشغلين بالبحث العلمي، ويحيطونهما بالاهتمام الكبير، نظرا لوجود قناعة لدى الطرفين بأهمية العلم في علاج مشكلة يعاني منها المجتمع أو المصنع أو المزرعة أو المدرسة أو أي مجال آخر.
إن هذه الإشكالية تزاد خطورتها يوما بعد آخر، في مؤسساتنا الأكاديمية ومراكز ابحاثنا، وإن الخروج من ذلك، ينبغي على الباحث والمسؤول والمشرع والمجتمع ان يشعروا بمشكلات وظواهر مجتمعهم، ويجدوا في أنفسهم ملزمين بدراستها، ووضع الخطط اللازمة للتنفيذ والشعور باهميتها المجتمعية لتطور المجتمع اقتصاديا وصحيا وتعليميا وصناعيا وزراعيا، فعلى مستوى البحث العلمي ينبغي الارتقاء به من قبل المؤسسات العلمية وباحثيها، وجعلها دراستها تحمل صفة الإلزام ، كما يذهب إلى ذلك عالم الاجتماع الفرنسي (إميل دوركايم) باعتبار ذلك شرطا منهجيا أساسيا لنجاح البحث العلمي، لا سيما في مجاله
التطبيقي.
من خلال توظيف المناهج العلمية كل في مجال اختصاصه لفهم الواقع وتقديم رؤية علمية، بناء على قراءة نقدية لواقع البحث العلمي في العلوم الإنسانية والطبيعية معا، وفهم التحديات التي تواجهه، والعمل على بناء ستراتيجية، استنادا إلى النتائج العلمية التي تتوصل اليها نتائج الابحاث في مجالاته المختلفة، ووضعها في برنامج تأهيلي متكامل الأبعاد تحتويه هيئة علمية على مستوى البلاد، تكون تحت إشراف أعلى سلطة، مع رصد الامكانيات المادية والتخطيطية والامكانيات العلمية المحلية أو من العراقيين من المقيمين خارج البلاد، والمشهود لهم بانجازات علمية ومبادرات ابداعية على مستوى العالم مع توفير الدعم الكامل، وعند وضوح الرؤية المتكاملة للواقع والامكانيات المتوافرة تشرع الجهات التنفيذية بالتنمية الشاملة، البشرية، والاجتماعية والاقتصادية، والصناعية والزراعية على وفق سقف زمني معلوم، يشمل العراق بريفه وحضره وبكامل تفاصيله.